Partager sur :

التعاونية الحرفية النسائية "أم الخير" في بني ملال .. طموح وامال

على بُعد حوالي 10 كيلومترات من مدينة بني ملال، وبمنزل إسمنتي يطلّ على حقول زراعية ولا يختلف في شكله عن باقي المنازل الموجودة بمركز جماعة أولاد امبارك، تلتقي نساء تعاونية “أم الخير” كل يوم تقريبا، أملا في أن يخرجن من حالة التهميش من خلال صناعة وتسويق منتجات محلية، تكفل لهن وضعا ماديا واعتباريا لائقا.

في مركز أولاد أمبارك، الذي يقع على الطريق الوطنية رقم 8 جنوب مدينة بني ملال، لا تزال مظاهر الهشاشة تهيمن على العديد من الأسر، في ظل ضعف النسيج الاقتصادي وغياب فرص الشغل وقلة مصادر الدخل القارة؛ ما جعل مجموعة من النساء يبادرن إلى تأسيس التعاونية الحرفية أم الخير والبدء بصناعة رغيف الخبز لضمان لقمة عيش كريمة.

حفيظة الوحاسي، رئيسة تعاونية أم الخير، قالت إن هذه التعاونية، التي تأسست سنة 2015، شكلت ملاذا بالنسبة للنساء المنخرطات الراغبات في تدبير أمور حياتهن في سياق البحث عن مورد رزق في ظرفية استعصى عليهن فيها تعزيز حضورهن الاجتماعي، لاعتبارات تتعلق في أغلبها بخصوصيات المنطقة التي توفر يدا عاملة بالجملة في غياب ما يخلق فرص الشغل.

وتابعت الوحاسي، البالغة من العمر 40 سنة، في حديثها لإحدى الجرائدالالكترونية المغربية، قائلة: “مشروع التعاونية كان بالنسبة لنا تحديا كبيرا؛ لأن الإكراهات والصعوبات كانت أكبر من الطموح، وخصوصيات المنطقة القروية وحال المرأة الهش مقارنة مع الرجل وضعف التجربة وانعدام وسائل العمل كلها عوامل جعلتنا نعيش لحظات صعبة امتزجت فيها مشاعر أمل هش مع يأس طافح”.

وسردت حفيظة لنفس الجريدة الالكترونية : “قررنا خوض هذا الرهان بدعم معنوي من السلطات، والبدء باستثمار المواد والمنتجات التي تزخر بها المنطقة؛ كمادة الصوف لصناعة الزرابي، ومنتوج الحبوب لتوفير رغيف الخبز والكسكس ومشتقات أخرى بهدف تسويقها على المستوى المحلي، بهدف تحقيق دخل يلبي حاجياتنا الأساسية”.

من جهتها، قالت زينب، وهي منخرطة خمسينية: “بدأنا ببيع رغيف الخبز وتوزيعه على نطاق محدود، ثم انتقلنا إلى اقتناء المواد الخامة من الصوف المحلي مع السهر على فرزه وغزله ومشطه، ونسجه بعد اكتمال كل شروط ذلك، والاجتهاد في تسويقه محليا قبل أن نبدأ في المشاركة في المعارض الجهوية والوطنية. وفي مرحلة متقدمة، اشتغلنا على المنتجات المحلية التي تستخدم لصناعة الكسكس بمختلف أشكاله، وعلى العديد من المنتجات المحلية البيو (BIO) التي تلقى قبولا لدى الساكنة والتي يكون عليها إقبال بالمعارض الوطنية والجهوية”.

وأفادت المتحدثة ذاتها: “كان هاجسنا في السنوات الأولى صناعة اسم للتعاونية بالسوق المحلية، والعمل بالموازاة على النهوض بوضعيتنا الاقتصادية والاجتماعية عبر الانخراط بكل ما نملك من طاقات في هذا المشروع الذي وجدنا فيه ذواتنا، وتمكنا من خلاله من الخروج من زمن الرتابة والقلق اليومي”.

وفي السياق ذاته، أبرزت رئيسة تعاونية أم الخير، الحاصلة على الباكالوريا، أهمية التعاونيات بالإقليم وآثارها الإيجابية على وضعية المرأة في وضعية هشة خاصة، لافتة إلى أن تعاونية أم الخير، علاوة على أنها تشكل “لقمة عيش” لهؤلاء النساء، فهي فضاء يخلق فسحة للنقاش والتداول في المشاكل الأسرية، ومتنفس لنسوة يعانين من ضنك العيش وعنف الرجال، ومجال مناسب لإبراز مواهبهن وطاقاتهن.

 

وتبعا لمحمد لغريب، باحث ومهتم بهذا النوع من القضايا الاجتماعية، فإن “الأثر الكبير لانخراط النساء في مثل هذه المشاريع التعاونية، يتجلى بشكل أكبر في الاستقلالية التي تحققها المرأة وفي الطاقات التي تفجرها والتي غالبا ما تكون شيئا مسكوتا عنه في داخلها”.

وفي الإطار نفسه، سردت زينب أن التحاقها بالتعاونية وانخراطها مع باقي العضوات في تثمين وتسويق المنتجات المحلية وفي صناعة الزرابي كان سببا في إخراجها من أزمة نفسية عميقة تولدت لديها بعد فقدان ابنها البالغ من العمر 19 سنة، المُعين الوحيد للعائلة، على إثر طعنة غادرة بالسلاح الأبيض.

ولفت لغريب إلى أن العديد من النساء بجهة بني ملال خنيفرة استطعن تغيير وضعهن الاعتباري داخل مجتمع الأسرة بعدما أصبحن صانعات ومنتجات، ومساهمات في تحمل مصاريف بيوتهن ومساعدة أسرهن؛ ما جعلهن أكثر إصرارا على تطوير وتوسيع ما تصنع أياديهن.

وعبرت رئيسة تعاونية “أم الخير” عن أملها في أن تلتفت الجهات الداعمة إلى بعض الإكراهات التي تحد من طموح النساء القرويات في تحسين وضعيتهن الاجتماعية، خاصة في الجانب المتعلق بآليات الاشتغال، مشيرة إلى أنه في الوقت الذي يتم في الحديث عن رقمنة المؤسسات لا تزال التعاونيات تشتغل بوسائل تقليدية.

 

وأشارت حفيظة الوحاسي إلى أنه علاوة على قلّة وسائل الإنتاج العصرية ذات التكلفة المرتفعة جدا تشكو التعاونيات من غياب مقرات تكفل لهن العمل بأريحية وتمنح لهن فرصة زيارة لجان خاصة بتقييم جودة هذه المنتجات، وأيضا من عدم توفرها على وسائل النقل الخاصة بها، ومن انعدام تكافؤ الفرص في الاستفادة من دعم الدولة والمشاركة في المعارض الكبرى التي تفتح للتعاونيات باب العالمية، وأيضا من ارتفاع سعر المواد الخام بسبب الجفاف بحوالي 50 في المائة.

وبالرغم من رضاهن عن وضعهن وعما يقمن به من عمل شبه في يومي، فإن المنخرطات بالكاد يوفرن مدخولا كافيا لإعانة أسرهن، بحيث كشفت إحدى المستفيدات أن مردودهن خلال الأسبوع لا يتجاوز في أحسن الأحوال 200 درهما، ما يعبر عن إلحاحهن على أهمية توفير وسائل العمل للرفع من الإنتاجية.

وذكرت الوحاسي أن التعاونية الحرفية أم الخير لم تستفد من دعم الدولة إلا مرة واحدة خلال سنة 2017، وللأسف سجلت إنه في غياب تكوين للعضوات وعدم إنجاز دراسة معقولة ودقيقة للمشروع لم يتم استثمار هذا الدعم الذي كان بتمويل من صندوق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالشكل الذي ينبغي.

وأبرزت الرئيسة، بعدما أشادت بدعم السلطات الولائية للتعاونيات، أنه خلال عام 2022، وبعدما تمكنت التعاونية من الحصول على شهادة لأونسا، تم قبول ملف التعاونية أيضا للاستفادة من دعم برنامج تمويل التعاونيات بجهة بني ملال خنيفرة الذي يندرج في إطار شراكة بين الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ومنظمة (GIVE DIRECT) = امنح مباشرة) الأمريكية والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

 

ومن شأن هذا التمويل، أضافت المتحدثة، أن يساعد التعاونية على سد حاجياتها اللازمة لتحقيق نموها؛ من قبيل شراء المواد الخام، وغيرها من اللوازم الأخرى ومعدات الإنتاج والمواصلات والتسويق والتكوين والنفقات المشابهة.

ووفق ما أوردته معطيات رسمية، فإن هذا البرنامج يستهدف بشكل مباشر وغير مباشر أكثر من 11 ألفا و500 شخص غالبيتهم من النساء، ومن آثاره المتوقعة تمكين المرأة من خلال تحسين ولوجها إلى الموارد الاقتصادية وإفساح المجال أمامها ليتسنى لها أن تلعب دورا رئيسيا في تطوير المقاولات التعاونية.

ويهدف المشروع الذي تبلغ قيمته 3 ملايين دولار، تبعا للمعطيات ذاتها، إلى تقديم الدعم المالي للتعاونيات الصغرى بجهة بني ملال خنيفرة، ولا سيما بالأقاليم الجبلية الثلاث بالجهة (بني ملال وأزيلال وخنيفرة)، لتخفيف العبء على الساكنة التي توجد في وضعية هشة.

ويعد هذا المشروع من أهم مجالات التعاون بين الحكومتين الأمريكية والمغربية لتعزيز الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للفئات الهشة والتي تشمل النساء والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة. وينسجم برنامج تمويل التعاونيات مع الأولويات التي سطرتها الحكومة المغربية لتحفيز الانتعاش الاقتصادي في المناطق القروية والحضرية للبلاد، أوردت المعطيات نفسها.

 

Langue
Arabe
Région
Beni Mellal - Khenifra
Partager sur :