Partager sur :

.نظرة في واقعنا من خلال حديث(خمسة خصال...)، بقلم أحمد دخيسي

في حقيقة الأمر إن واقعنا المزري الموسوم بالضبابية يحتاج عدة نظرات، فالنظرة الواحدة لا تكفي بل نحتاج لنظرات تليها نظرات لمعرفة الإشكال فقط، أما لفهمه -الإشكال- فنحتاج إلى قوة الصبر والعزيمة وقوة الإبصار.
وقد صادفت حديثا للصادق المصدوق يلخص واقعنا، وبه نستعين لإتمام جملنا هذه، (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا مَعْشَرَ المهاجرينَ ! خِصالٌ خَمْسٌ إذا ابتُلِيتُمْ بهِنَّ ، وأعوذُ باللهِ أن تُدْرِكُوهُنَّ : لم تَظْهَرِ الفاحشةُ في قومٍ قَطُّ ؛ حتى يُعْلِنُوا بها ؛ إلا فَشَا فيهِمُ الطاعونُ والأوجاعُ التي لم تَكُنْ مَضَتْ في أسلافِهِم الذين مَضَوْا ، ولم يَنْقُصُوا المِكْيالَ والميزانَ إِلَّا أُخِذُوا بالسِّنِينَ وشِدَّةِ المُؤْنَةِ ، وجَوْرِ السلطانِ عليهم ، ولم يَمْنَعُوا زكاةَ أموالِهم إلا مُنِعُوا القَطْرَ من السماءِ ، ولولا البهائمُ لم يُمْطَرُوا ، ولم يَنْقُضُوا عهدَ اللهِ وعهدَ رسولِه إلا سَلَّطَ اللهُ عليهم عَدُوَّهم من غيرِهم ، فأَخَذوا بعضَ ما كان في أَيْدِيهِم ، وما لم تَحْكُمْ أئمتُهم بكتابِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ ويَتَخَيَّرُوا فيما أَنْزَلَ اللهُ إلا جعل اللهُ بأسَهم بينَهم" حديث صحيح).
ففي حديث النبي صلى الله عليه وسلم هذا تحذير عام لجميع المسلمين من الاقتراب من خمس خصال ذكرها في حديثه، وفي ذكره لكل خصلة يذكر نتائجها الوخيمة، وللأسف الشديد فإن كل ما ذكره الحبيب المصطفى في هذا الحديث من خصال ونتائج إلا أدركناه، وأول خصلة حذر منها النبي الكريم وهي فعل الفاحشة مع الإعلان بها، وأما النتائج فهي ظهور الأمراض والأوبئة، وإن واقعنا يشهد على هذا وكمنتمين لهذا الواقع فلن ننكر هذا، والمقصود هنا بالفاحشة وهي العلاقات الجنسية خارج إطار الزواجِ المصطلحِ عليه شرعيا بالزنى، وفقط في بلاد المسلمين فإن الفواحش كادت أن تصبح من حقوق المجتمع، خصوصا في فئة الشباب، فتجد هذا يفتخر بفواحشه ومنكراته ولو أنه ستر نفسه وغيره لكان خيرا له، ومن خلال الإحصائيات فقد وصلت نسبة مرضى الإيدز في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لسنة 2016 10%، نسبة 41% من هذه العشرة هم الممارسونَ الجنسَ مع بائعات الهوى، وهذا بحسب ما جاءت به منظمة الصحة العالمية.
الخصلة الثانية التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم وهي الإصرار على الغش في المكيال والميزان، وهذه الظاهرة حسب الحديث الشريف ينتج عنها الأخذ بالسنين بمعنى القحط والجفاف، وينتج عنها غلاء المعيشة وينتج عنها ظلم وجور الحكام على الرعايا، وإن الواقع يؤكد هذا أشد تأكيد، فالغش في التجارة أصبح شيئا مألوفا جدا أما النتائج التي ذكرت في الحديث فإننا نعايشها منذ مدة، ففقط في المغرب خصوصا في الآونة الأخير فقد تم الزيادة في أثمنة الكثير من المنتوجات، وبمقارنة بسيطة بين متوسط الدخل الشهري للفرد ونسبة الزيادة سيتضح أن هذه الزيادة تكسر كل مؤشرات العيش الكريم، حيث متوسط الدخل الشهري للفرد المغربي بلغ أقل من 1800 درهم شهريا لسنة 2019 حسب المندوبية السامية للتخطيط، ويكفي وضع الأرقام بدون تعليق لأن الأرقام مرعبة ومؤسفة، وينتج عن الغش في التجارة جور وظلم الحكام، فالبلدان العربية جلها إن لم نقل كلها تعنى بهذا وتعاني من هذا الجور والظلم، فكل الحكام العرب يجرون وراء مصالحهم ناسين المسؤولية الموضوعة على كاهلهم، ولكن أين العلاقة بين الغش في التجارة وجور الحكام، العلاقة تكمن في الجزئيات التي نحتقرها، فالحاكم وإن كان نزيها قد يفسد بأفعال رعاياه، فذلك الغش البسيط المتكرر في كل مرة ينتج عنه إدمان فكرة الغش التي تتطور لغش أكبر وتنتقل بين المجتمع لتصل إلى جميع الشرائح إلى أن تصل إلى الحاكم، هذا الحاكم الذي بدوره يقتنص الفرص لعيش حياة دنيا رغيدة بعيدا عن المسؤوليات التي تتطلب منه وقتا وجهدا، حتى يعتقد يقينا أن خدمة الرعايا ليست من مسؤولياته، فإذا طالبه أحد بإحقاق العدل جوزِيَ بالسجن لأنه يطلب ما ليس في صلاحية الحاكم حسب اعتقاده.
الخصلة الثالثة التي حذر منها الرسول الخاتم وهي منع زكاة الأموال، ونتيجة منع زكاة الأموال كما جاء في الحديث منعُ اللهِ المطرَ على العبادِ، ولولا البهائم الرتع التي تناجي الله في سرها وعلانيتها لما أنزل قطرة واحدة، وإن من نتائج الزكاة تقليص الفوارق الاجتماعية من خلال تقليص الفقر لدى الأفراد، وهو ما لا نراه في واقعنا حيث الفوارق في ازدياد عجيب، قال تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلفُقَراءِ وَالمَساكينِ وَالعامِلينَ عَلَيها وَالمُؤَلَّفَةِ قُلوبُهُم وَفِي الرِّقابِ وَالغارِمينَ وَفي سَبيلِ اللَّـهِ وَابنِ السَّبيلِ فَريضَةً مِنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَليمٌ حَكيمٌ)، هذه الثمانية فئات المذكورة في الآية الكريمة هي المعنية بالزكاة، ولكن كيف نضمن تقليص الفوارق الاجتماعية من خلال الزكاة، هذا ما قد يحصل إذا اتبعنا خطة ومنهجا إلهيا خالصا، قال تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)، فلو أعطى كل من حقت عليه فريضة الزكاة زكاته أَوَّلًا لذي القربى ثم اليتامى فالمساكين فالجار المقرب ثم الجار القريب له من ناحية المحيط ثم الصاحب القريب من المحيط  ثم ابن السبيل أخيرا لحورب جل الفقر، فلو تمسك كل من وجبت عليه الزكاة بهذا المنهج لقلت الفوارق الاجتماعية بشكل ملحوظ جدا، ولسوء المصير فإن الكثيرين لا يؤدون هذه الفريضة ولذلك فكما نرى أن البلدان العربية قاطبة تعيش الجفاف أو مهددة بالجفاف، وهذا بسبب ندرة التساقطات، فتعيش هذه البلدان يوميا هاجس الجفاف حيث التساقطات هي أهم مصدر للمياه فيها وهي قليلة فيها.
الخصلة الرابعة وهي نقض عهد الله ورسوله وكما لا يخفى علينا أن نسبة تشبث الناس بدينهم قليل خصوصا مع حلول عصر الرقمنة والتكنلوجيا، فلم تعد الناس مهتمة بعقيدتها مع تطور وسائل اللهو وسهولة الحياة، فيكبر الولد والبنت على صيحات الموضة والتباهي حتى أن عقلهم يعجز عن الصمود أمام هذه الملاهي واتباع أوامر الله ورسوله، ونتيجة نقض العهود ونكثها تسليط الله على المسلمين عدوا من غيرهم ينعم ويغنم في خيراتهم بلا تعليق منهم، وهذا ما لن نكذبه أبدا، فبعد الاستعمار الغاشم على دول المسلمين ونهب ثرواتهم علنا، وبعد الاستقلال المزعوم ما زالت الكثير من الدول غير المسلمة تتمتع بثروات المسلمين، وحسب أحد المحللين ففرنسا تستمد نسبة 25% من المفاعلات النووية المعتمدة في التزود بالكهرباء من النيجر والتشاد البَلَدَان اللذان أغلب سكانهما مسلمين.
أما الخصلة الخامسة فهي عدم حكم الناس بما جاء في الكتاب والسنة ونتيجة هذا حدوث التنافر والعداوة بين المسلمين، وقد بدا في كثير من الأحيان أن الأحكام لم تعد تمشي بما جاء في نص الشريعة، وحتى من القضاء الذي كان تقليديا يحكم في النزاعات بما شرع الله أصبح "حداثيا" حسب نظرهم، هذا المفهوم -حداثي- الذي يستخدمه الغرب في كل ما يجانب الشريعة إبرازا منه أن الشريعة تأتي بالتخلف، القضاء التقليدي الذي كان يفهم معنى فصل السلط منذ القدم كيف لا وقد تربى فيها، حيث تقام المحاكم في المساجد ولا تدخل أي سلطة للمسجد كيفما كانت سلطتها إلى المسجد أثناء المحاكمة إلا بدعوة وتصريح من القاضي، فبعد هذا الاستهتار بأحكام الله ها هم المسلمون أصبحوا أعداءً، بعضهم لبعض خصوم، فالمغرب والجزائر عنوان الآونة الأخيرة.
وكخلاصة فإن اتباع الدين المتمثل في أوامر الله ورسوله هو انضباط لخوض حياة دنوية خالية من الفوضى ومليئة بالتعايش والنظام.

Arabe
Partager sur :