Partager sur :

الأستاد عبد الله زروال يكتب عن مغاربة العالم وعالم المغاربة

كثيرة هي التسميات التي تطلق على المغاربة الذين هاجروا وطنهم المغرب إلى الخارج لدوافع مختلفة، من قبيل الجالية المغربية، والعمال المغاربة بالخارج، والمهاجرون المغاربة، والمغاربة المقيمون بالخارج…الخ، وما فتئ هذا القاموس يتنامى إلى أن أضيفت إليه تسمية جديدة، فيما يشبه البديل الاصطلاحي، ألا وهي مغاربة العالم؛ هذه التسمية التي تبدو، مقارنة بسابقاتها، على قدر كبير من الشمولية والدقة في الدلالة، نجدها اليوم ذائعة بالأساس في الخطاب الرسمي والإعلامي، وكذا في بعض الكتابات التي تعنى بشؤون الهجرة؛ أما على مستوى الاستعمال الشعبي فهناك أوصاف عديدة متداولة في أوساط العامة، لعل أكثرها جريانا على الألسنة “الزماكريا”، وهو لفظ، كما هو واضح، يحافظ على هويته الأجنبية les immigrés .

إن الانتساب إلى الجذور المغربية هو القاسم المشترك بين مغاربة العالم، لكن هذا لا يمنع من وجود وجوه للاختلاف من المفيد أن نقف عند بعضها في هذا المقام:

يختلف مغاربة العالم من حيث المناطق التي يتحدرون منها، هذه المناطق التي تكاد تغطي مختلف ربوع الوطن من طنجة إلى الكويرة؛ علما بأن بعض المناطق معروفة بالهجرة الخارجية، كمنطقة الريف؛ وذلك لأسباب يتداخل فيها التاريخي والجغرافي والسياسي والاقتصادي.

ينتشر مغاربة العالم في مناطق مختلفة من العالم؛ حيث نجدهم متفرقين في القارات الخمس بنسب شديدة التباين؛ غير أنهم يتمركزون في القارة الأوربية، وفي دول محددة كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا وهولندا، وكلما تقوت موجات الهجرة كلما تجاوزت نطاق الوجهات الكلاسيكية، لتمتد إلى وجهات جديدة لم تطأ أراضيها أقدام الأجيال السابقة.

تتباين أوضاع المغاربة في العالم على المستويات التالية:

وضعية الإقامة: من مغاربة العالم من يقيم في بلدان الاستقبال بطريقة قانونية مفتوحة بالنسبة للذين توفرت لهم شروط الإقامة المطلوبة، أو محدودة، كما هو الحال بالنسبة للعمال الموسمين، أو الطلبة الذي سافروا لاستكمال تعليمهم في الجامعات والمعاهد العليا، وهناك من يقيم بطريقة غير نظامية في انتظار البت في تسوية وضعيته، ويدخل ضمن هؤلاء طبعا القاصرون الذين تمكنوا من النزوح بطرق غير مشروعة لا تخلو من مخاطرة وخطورة.

الحالة الاقتصادية والاجتماعية: من مغاربة العالم من يزاولون مهنا مكسبة تحقق لهم الكفاف والعيش الكريم، ومنهم من تجاوزوا ذلك إلى الرفاهية، والادخار، والاستثمار، وتنبغي الإشارة هنا إلى التحويلات المالية الهامة التي تساهم مساهمة فعالة في تنمية الاقتصاد الوطني، وإغناء رصيده من العملة الصعبة؛ وفي المقابل هناك من يعيش في وضعية بطالة، وقد تفاقمت هذه الوضعية جراء تداعيات الجائحة، وآثار الأزمة العالمية، وينبغي ألا نغفل هنا الإشارة إلى الأطر العليا، سواء الذين تلقوا تعليمهم وتكوينهم في المهجر أو الذين حملوا معهم كفاءاتهم جاهزة كالأطباء والأطر الصحية والمهندسين، وغيرهم، وهذا ما يصطلح عليه البعض بهجرة الأدمغة، هذه الظاهرة التي تشكل نزيفا حقيقيا تدق له أجراس الخطر، وتكشف الإحصاءات في هذا النطاق عن أرقام صادمة، وتكفي الإشارة إلى أن تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان أكد على أن ما بين 10 آلاف و14 ألفا طبيب يشتغلون في الخارج، وبأروبا خاصة، في الوقت التي تعاني منه المنظومة الصحية من خصاص مهول في الموارد البشرية يؤثر بشكل جلي على جودة الخدمات المقدمة للمرتفقين.

الاندماج: كثير من المغاربة تمكنوا من الاندماج في المجتمعات المهاجر إليها، ومنهم من ذهب بعيدا، واستطاع أن يشغل مناصب عليا؛ بل منهم من وصل إلى مراكز هامة في تحمل المسؤولية، في حين هناك مغاربة وجدوا، كغيرهم من المهاجرين من مختلف أنحاء العالم، صعوبات في الاندماج، وهؤلاء غالبا ما يعيشون في هوامش المدن، وفي بيئات هشة يسود فيها الفقر والأمية والعنف والانحراف والتطرف؛ على أن الاندماج ليس عملية في متناول الجميع؛ ذلك أنه يتطلب تظافر عوامل مساعدة ذاتية وموضوعية كالمستوى الثقافي، والتمكن اللغوي، والاستقرار العائلي، والتأقلم مع سوق الشغل، والقدرة على استيعاب ثقافة البلد المضيف والتكيف معها، ومواجهة العزلة والتناقض والغربة بما يحقق نوعا من التوازن.

رغم وجوه الاختلاف القائمة بين مغاربة العالم التي عرضنا البعض منها، تبقى آصرة الانتماء إلى الوطن الأم هي اللحمة التي تؤلف بينهم من جهة، وبين مغاربة الداخل من جهة أخرى. والسؤال الجدير بالطرح هنا هو:

ما ملامح حضور عالم المغاربة في حياة مغاربة العالم؟

يحضر عالم المغاربة في حياة مغاربة العالم من خلال مجموعة من الصور، هذه أبرزها:

ـ ممارسة الحياة اليومية: الغالب هو أن المغاربة المتفرقين في بلدان الاستقبال يحافظون على ما يشكل شخصيتهم الوطنية ويجسد ثقافتهم المحلية، هذه الثقافة التي نقلوها معهم أو توارثوها من جيل إلى جيل عبر التنشئة الاجتماعية، فتراهم يتحدثون في بيوتهم ومع إخوانهم المغاربة لغتهم الأصلية، ويمارسون شعائرهم الدينية، وطقوسهم الاحتفالية، ويستمسكون بعاداتهم وتقاليدهم.

ـ استعمال وسائل الإعلام والاتصال: يتواصل مغاربة العالم مع عالم المغاربة من خلال متابعة ما تقدمه القنوات التلفزيونية الوطنية من مواد وبرامج متنوعة: إخبارية، وتثقيفية، وترفيهية؛ كما يتم ذلك عبر ما تتيحه وسائط الاتصال الحديثة من تطبيقات تسمح بالتواصل الفوري الحي بالصوت والصورة، ورحم الله زمانا كان الاتصال فيه عبر رسائل ينتظر وصولها بالأيام والأشهر.

ـ حضور الفعاليات الثقافية والفنية: الملاحظ عموما أن هذه الفعاليات الموجهة لفائدة مغاربة العالم كالعروض الفنية والمعارض الثقافية وما إلى ذلك من الأنشطة تلقى إقبالا واسعا، ومن شأن توسيع هذه الأنشطة وتطوير تدبيرها أن تعزز التواصل مع عالم المغاربة بروافده الثقافية المتنوعة.

ـ زيارة الوطن: ينتظر مغاربة العالم بفارغ الصبر، وبالغ الشوق الإجازات السنوية للعودة للوطن لزيارة الأهل والأقارب والأصدقاء، ولكن أيضا لقضاء المآرب الشخصية كتفقد الممتلكات، وصيانتها، وقضاء المصالح الإدارية. وقد دأب الإعلام الرسمي في كل موسم عبور على نقل انطباعات المهاجرين من الموانئ والمطارات وهم يحلون بأرض الوطن مشتاقين أو هم يغادرونها متأسفين، وتغلب على هذه الانطباعات عادة مشاعر الرضى والاستحسان والثناء، إلا أنه يحدث كثيرا أن يصطدم مغاربة العالم بمواقف يشعرون فيها بهضم حقوقهم، فلا يتحفظون حينئذ في التعبير عن سخطهم عاقدين تلك المقارنات المعروفة بين هناك وهنا.

من المفترض أن عالم المغاربة حاضر بقوة في حياة مغاربة العالم من خلال الصور السالفة الذكر؛ بيد أن ثمة مغاربة وإن وفقوا إلى الاندماج في المجتمعات المهاجر إليها، فإن ذلك كان على حساب هويتهم المغربية؛ حيث تنأى المسافات تدريجيا بينهم وبين عالم المغاربة، إلى أن توشك ثقافتهم على أن تذوب، وتنطمس معالمها. طبعا إن المهاجر نفسه يتحمل مسؤولية اختياراته، بيد أن هذا لا يعفي الدولة المغربية من خلال الوزارة الوصية والمنظمات والهيئات المعنية بشؤون مغاربة العالم من المسؤولية؛ إذ من المطلوب أن تتطور آليات الاشتغال لربط جسور مغاربة العالم بعالم المغاربة بما يميز هذا العالم من خصوصية ثقافية فريدة.

 

Arabe
Partager sur :