بعقيدتهم الأشعرية ومذهبهم المالكي يعيش معظم أفراد الجالية المغربية المسلمة بالديار الأوروبية، حفاظا على هويتهم الثقافية وخصوصيتها الدينية والروحية، وأساسا على أمنهم الروحي الذي يبدو أنه صار محاصرا نتيجة كافة أشكال رفض الآخر، التي تمثلت أبرز معالمها في الترخيص لحرق القرآن بالسويد.
وتمكنت الجالية المغربية، منذ بداية الهجرة نحو البلدان الأوروبية تحديدا، من الاندماج وفرض نوع من الوجود في العمل والإنتاج، وإثبات قدرتها على التعايش والتواصل والانفتاح، كما أمعنت مؤخرا في تلقين “الغربي المتعصب” دروسا في الاعتدال، لكونها انتقلت بالإسلام الوسطي المعتدل، الذي يطبع التدين المغربي الأصيل، لكن يبدو أن التحديات المعاصرة، المتمثلة في كراهية المسلمين، ستجعل الأمن الروحي للمغاربة يشكو من خصاص ما في البلدان “العلمانية”.
تهديد مضاعف
سعيد ناشيد، باحث في الفكر الديني، اعتبر أن “ما حدث من حرق للقرآن، بغض النظر عن الموقف القانوني، المتعلق بكيف يجب أن يتعامل القانون مع هذه الحالات، أي الاعتداء على بعض الرموز الدينية، فالموقف الأخلاقي يدينه ويندد به، لكونه لا يتجه في اتجاه السلام والعيش المشترك”، مردفا أنه “يعبر فقط عن الكراهية والعنصرية الغربية التي تؤجج الفتنة والحقد تجاه المهاجرين، بمن فيهم المغاربة”.
وأضاف ناشيد، ضمن تصريح لإحدى الجرائد الالكترونية المغربية، أن “الغرب، المستقبل للمهاجرين، يجب أن يستوعب أن أي عمل استفزازي يصطدم مع مشاعر أقلية ما أو نوع بشري ما، مرفوض أخلاقيا”، مبرزا أن “هذه السلوكيات العدوانية تجاه المهاجرين المسلمين، تكرس التوتر بين الطوائف في المجتمعات الغربية الحديثة، التي لا ننسى أنها فتحت أبوابها أمام المهاجرين الهاربين من الفقر، ومن المجاعة والجفاف والحروب الأهلية”.
وشدد الباحث في الفكر الديني على أن “المجتمعات الغربية مثلت نموذجا رائدا للمجتمعات المفتوحة، من حيث أنها فتحت أبوابها للنازحين”، موضحا أن “نمط الاستفزاز هذا لا يخدم هذا النموذج في آخر المطاف، بل يهدده؛ فإحراق القرآن أو الترخيص بذلك لا يهدد الدين الإسلامي، بل يهدد النموذج الذي حاولت أن تقدمه البلدان الغربية عن نفسها منذ ما يزيد عن نصف قرن من الزمن”.
وختم المتحدث عينه بأن “هذه الأفعال الخبيثة لا تهدد الأمن الروحي للمغاربة المسلمين المهاجرين في أوروبا فحسب، بل تهدد أمنهم الوجودي أيضا، لكون هذه الأعمال مفتوحة دائما على احتمالات العنف والمواجهة”، لافتا إلى أن “الخطورة التي يمكن أن يستشعرها المغاربة، مثل غيرهم، هي أن هذا الفعل هو رسالة إلى المهاجرين وإشارة إلى الموقف منهم، بمعنى أنهم لم يعد مرحبا بهم في هذه المجتمعات، لكن الخطير أن يتم تصريف ذلك عن طريق الأمن الروحي”.
مهاجرون بهوية مرنة
من جانبه، عبر عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، عن “شجبه لكل سلوك يمثل كراهية تجاه المسلمين المهاجرين بأوروبا، ومن ضمنهم المكون المغربي الذي سجل حضورا اعتباريا داخل منظومة البلدان الأوروبية والغربية”، مشددا على أن “المغاربة المهاجرين يتميزون بهوية مفتوحة ومرنة، تسعفهم للتصدي لمثل هذه الاستفزازات، نظرا لأن نموذج التدين المغربي مغاير للعديد من البلدان، لكونه وسطيا ومعتدلا”.
وأضاف بوصوف، في تصريح لإحدى الجرائد الالكترونية المغربية، أن “هذه التربية والتنشئة الدينية التي لا تقوم على التعصب أو نبذ الاختلاف، جعلت المغاربة المهاجرين يعبرون عن حسن السلوك داخل المجتمعات الغربية”، موردا أن “مقومات الصمود التي يتمتع بها المغاربة راجعة إلى أن التحديثات التي طرأت على الحقل الديني ببلدهم مكنتهم من إدراك أنهم يمثلون أمنا روحيا فريدا وعريقا استطاع أن يواجه الإرهاب والحركات الطائفية المتشددة”.
وقال إن هذا الرأسمال الذي يتمتع به المغاربة المهاجرون “يجعلهم مثل جبل صامد لا تحركه رياح حالات معزولة يقوم بها متطرفون”، مؤكدا أن “المسلمين المهاجرين يجب أن يتصرفوا بالحكمة وضبط النفس، ومواجهة هذا التطرف بالعقل وبالنقاش والفكر، وعدم الانزلاق إلى ردود الفعل العنيفة التي من شأنها أن تكرس المزيد من الإسلاموفوبيا في الغرب”.
وأجمل الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج بأن “إحراق الكتب فعل عنيف، وتعبير عن العنصرية الدينية، وعن الجهل أيضا”، مسجلا أن “الغرب الذي تحالف لمحاربة الإرهاب الإسلاموي، يجب أن يتحالف مجددا لمحاربة العنصرية في المجتمعات الأوروبية، لكون الإقصاء لا يمكن أبدا أن يصنع السلام، بينما المغاربة مستمرون في تأكيد احترامهم للسلام وللمجتمعات الغربية التي يعيشون فيها”.