على وقع الانقسام السياسي الحاد وضعف سلطة الدولة مقابل تنامي نفوذ الميليشيات المسلحة تعيش ليبيا، منذ سقوط نظام معمر القذافي، لتتحول بذلك إلى واحدة من أهم الوجهات التي يقصدها المهاجرون غير النظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء وبعض الدول المجاورة أملاً في الوصول إلى “النعيم الأوروبي”، بحكم قربها من السواحل الإيطالية. غير أن وصول المهاجرين إلى هذا البلد المغاربي غالباً ما يُدخلهم في متاهات يتمنون معها العودة إلى بلدانهم ولا يجدون إلى ذلك سبيلاً.
طريق ليبيا المجهول
مواطنون أجانب انقطعت أخبارهم بمجرد وصولهم إلى ليبيا، وآخرون محتجزون في مراكز اعتقال رسمية وأخرى تقع تحت سيطرة مجموعات مسلحة لا أحد يعرف ما يقع داخلها باستثناء القائمين عليها. شبكات للوساطة وابتزاز عائلات المهاجرين عن طريق طلب الفدية مقابل إطلاق سراح أبنائها، إجبار على العمل القسري، انتشار للأمراض المعدية، وتعذيب ووفيات وممارسات أخرى… تلخص واقع المعاناة التي يعيشها المحتجزون داخل مراكز الاحتجاز المنتشرة في عموم ليبيا.
وللمغاربة نصيب من هذه المعاناة الإنسانية التي أسالت مداد الكثير من المنظمات الحقوقية الحكومية وغير الحكومية المهتمة بقضايا الهجرة واللجوء، وسط غياب بيانات رسمية حول العدد المؤكد من المهاجرين غير النظاميين المغاربة في هذه المراكز؛ إذ تشير مصادر مطلعة من داخل ليبيا إلى وجود عدد من المواطنين حاملي الجنسية المغربية مازالوا محتجزين في مجموعة من المراكز، خاصة غرب ليبيا، الخاضع لسيطرة حكومة الوحدة الوطنية، وبدرجة أقل في الشرق الخاضع لإدارة الحكومة المدعومة من طرف البرلمان وقوات المشير خليفة حفتر.
وتسجل مصادر احدى الجرائد الالكترونية المغربية“غياب أي رقم رسمي حول العدد الحقيقي للمغاربة في مراكز الاحتجاز بسبب تعدد المتدخلين في إدارة هذه المراكز”، مؤكدة أن “الأجهزة التي تدير مراكز الاحتجاز تبحث عن وسطاء للتواصل مع أهالي المحتجزين في المغرب لطلب مبالغ مالية من أجل تحريرهم؛ وقد يتم تحريرهم بالفعل، غير أن عدم توفرهم على وثائق الإقامة في ليبيا يعرضهم للتوقيف والإيداع مجدداً في أحد المراكز”، مشيرة في هذا الصدد إلى أن السلطات الليبية ألقت القبض قبل عام ونصف على مواطن مغربي يمتهن الوساطة بين إدارة بعض مراكز احتجاز الأجانب والعائلات في المملكة المغربية.
ولفتت المصادر ذاتها إلى “وجود مغاربة يجهل عددهم في مراكز نظامية، وآخرين في مراكز غير نظامية لكن غير مصرح بوجودهم هناك، خاصة غرب البلاد، إذ تتفادى الأجهزة المسيرة لهذه الوحدات التصريح بهم من أجل المتاجرة بهم وجني الأموال من ورائهم”، معتبرة أن “أغلب مراكز الاحتجاز الليبية تعيش ظروفاً جدّ مزرية، كمركز ‘المايا’ ومركز ‘بير غنم’ ومركز ‘العسة’ ومركز ‘طريقة السكة’ وغيرها”.
أسر مغربية تعاني
تطالب العشرات من أسر المغاربة المفقودين في ليبيا وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج بالتدخل لدى السلطات الليبية من أجل الكشف عن مصير أبنائها الذين انقطعت أخبارهم، وسط ترجيح لفرضية احتجازهم في مراكز خاصة بالمهاجرين غير النظاميين، إذ سبق لهذه العائلات أن نظمت وقفات احتجاجية في العاصمة الرباط، ناشدت من خلالها السلطات المغربية إنهاء معاناتها النفسية الناجمة عن جهلها بمصير فلذات أكبادها.
وتشير بيانات أممية إلى وجود ما بين 4000 و5000 مواطن أجنبي محتجزين في مراكز اللجوء في ليبيا، فيما تؤكد معطيات أخرى لبعض المنظمات الحقوقية أن هذا الرقم يصل إلى حوالي 20 ألفاً، وذلك بسبب وجود عدد من المراكز الموزعة على التراب الليبي التي تخضع لسيطرة ميليشيات مسلحة (منها الممولة من طرف السلطات) ترفض وصول المراقبين إليها، لعدد من الأسباب، إلى جانب المراكز الرسمية البالغ عددها 24 مركزاً، وفقاً للمعطيات المتوفرة لنفس الجريدة الالكترونية، وهو ما يزيد من غموض مصير عدد من المغاربة المفقودين في ليبيا.