
السيدة ليلى الزعروري، متخصصة في مجال الطيران، وباحثة في الأدلة الجنائية الفضائية، تُعني بالشؤون القانونية والإصلاح القضائي. جنيف، سويسرا.
📍جنيف، سويسرا
العقوبات البديلة… عدالة بلا سجن؟
في ظلّ التحديات المتزايدة التي تواجه أنظمة العدالة الجنائية، خصوصًا الاكتظاظ في السجون وارتفاع كلفة الإيواء، برزت العقوبات البديلة كخيار إصلاحي يسعى إلى تحقيق التوازن بين الردع والإنصاف، دون اللجوء المفرط إلى السجن.
العقوبات البديلة، ورغم حداثة عهدها نسبيًا، أصبحت جزءًا من التشريعات في عدد من الدول، وتهدف بالأساس إلى التعامل مع بعض الجرائم البسيطة أو غير العنيفة بطرق مختلفة، تراعي الطابع التأهيلي للعقوبة أكثر من طابعها الزجري.
ومن أبرز هذه البدائل:
. العمل لفائدة المجتمع
. الغرامات اليومية بدل الحبس
. المراقبة الإلكترونية
. الإقامة الجبرية
. العلاج الإجباري (في حالات الإدمان مثلًا)
هذه الآليات تُعدّ، في نظر العديد من الخبراء، خطوة نحو عدالة أكثر إنسانية وفعالية، حيث تفتح المجال لإعادة إدماج الجانحين في المجتمع، وتخفف العبء عن المؤسسات السجنية، وتقلل من الآثار النفسية والاجتماعية للحبس، خاصة على الشباب.
لكن… هل كل ما يلمع ذهبًا؟
ورغم هذه الإيجابيات، فإن تطبيق العقوبات البديلة ليس خاليًا من الإشكالات، وقد أظهرت التجارب الميدانية في عدد من الدول عدة تحديات لا يمكن تجاهلها.
أول هذه التحديات هو شعور الضحايا أو المجتمع بعدم الإنصاف، إذ كثيرًا ما يُنظر إلى هذه العقوبات على أنها “خفيفة”، لا تتناسب مع الجريمة المرتكبة. هذا الإحساس قد يُضعف الثقة في المنظومة القضائية.
من جهة أخرى، يُطرح مشكل ضعف الإمكانيات التقنية والبشرية. فتنفيذ المراقبة الإلكترونية، مثلًا، يتطلب أجهزة متطورة وموارد بشرية مختصة، وهو ما قد لا يتوفر في كل البلدان أو المناطق، مما يجعل العقوبة شكلية في بعض الأحيان.
عدالة انتقائية؟
إشكال آخر لا يقل خطورة، يتمثل في خطر التمييز الاجتماعي، إذ تشير بعض التقارير إلى أن المحكومين من الطبقات الميسورة أو المتعلمة يحصلون على فرص أكبر للاستفادة من العقوبات البديلة، مقارنةً بذوي الوضعية الاجتماعية الهشة، مما يطرح تساؤلات حول مدى تحقق العدالة والمساواة أمام القانون.
تكرار الجريمة… والعودة إلى المربع الأول
من الملاحظ أيضًا أن بعض المحكومين بالعقوبات البديلة يعودون إلى ارتكاب الجرائم، خاصة عند غياب برامج مرافقة لإعادة الإدماج، أو عند انعدام الدعم النفسي والاجتماعي. وهو ما يعيدنا إلى جدلية “العقوبة أم الإصلاح؟”.
وفي المناطق القروية أو النائية، تظهر إشكالات من نوع آخر: كيف يمكن تنفيذ عقوبة “العمل لفائدة المجتمع” في قرية لا توجد بها مؤسسات استقبال أو خدمات عمومية كافية؟ هذه العقبات التقنية تتطلب تنسيقًا واسعًا بين السلطات القضائية والمحلية.
الثقافة القضائية والمجتمعية
ولا يمكن إغفال العامل الثقافي، سواء لدى القضاة أو المواطنين. ففي بعض الدول، ورغم إقرار العقوبات البديلة في القانون، ظل القضاة يفضلون السجن، نظرًا لكونه الخيار “الآمن” والأكثر شيوعًا. كما أن فئات واسعة من المجتمع لا تزال تعتبر السجن العقوبة الوحيدة الرادعة.
في النهاية…
العقوبات البديلة ليست بديلًا شاملًا أو حلًا سحريًا، لكنها خطوة واعدة نحو بناء عدالة أكثر توازنًا وإنسانية. ولكي تحقق هذه الآلية أهدافها، من الضروري:
. توفير الموارد البشرية والتقنية اللازمة
. نشر الوعي بأهميتها لدى القضاة والمجتمع
. تحديد الجرائم التي تناسبها بدقة
. ضمان تنفيذها بصرامة وجدية
لعلّ نجاح هذا النوع من العقوبات يكمن في المزاوجة بين الردع والرحمة، بين الإنصاف والإصلاح. فليس الهدف معاقبة الجاني فحسب، بل أيضًا منحه فرصة للعودة إلى المجتمع مواطنًا أفضل.
وفي خضم هذه التحديات، يبقى سؤال محوري يفرض نفسه:
هل نملك فعلاً الموارد البشرية الكافية والمؤهلة لتنزيل نظام العقوبات البديلة على أرض الواقع؟
فمن دون قضاة مقتنعين، ومرشدين اجتماعيين، وأطر مراقبة وتنفيذ ميداني مدرَّبة، تبقى هذه الآلية عرضة للتعثر أو التمييع.
إن العقوبات البديلة، رغم ما تحمله من أمل، تحتاج إلى من يؤمن بها… ويعمل على إنجاحها.
{يتبع}
للاطلاع على مزيد من التفاصيل، المرجو زيارة الرابط التالي:
https://maglor.fr/mre/alqwbat-albdylt-fy-almyzan-jdwaha-qbatha-wmstqbl-aldalt-aljnayyt