Partager sur :

العقوبات البديلة في سويسرا: نموذج رائد لعدالة جنائية فعّالة وإنسانية

 

السيدة ليلى الزعروري، متخصصة في مجال الطيران، وباحثة في الأدلة الجنائية الفضائية، تُعني بالشؤون القانونية والإصلاح القضائي. جنيف، سويسرا.

 

📍جنيف، سويسرا


 

العقوبات البديلة في سويسرا: نموذج إنساني إصلاحي متوازن بين العدالة والفعالية

تُعد سويسرا من الدول المتقدمة في مجال العدالة الجنائية، لا سيما في تطبيق العقوبات البديلة، لكنها تختلف في توجهها عن النماذج “الكلاسيكية” السائدة في أوروبا الغربية مثل فرنسا أو ألمانيا. تقدم سويسرا تجربة فريدة تقوم على التوازن بين فعالية العقوبة والعدالة الاجتماعية، حيث لا يُنظر إلى العقوبة على أنها السجن فقط، بل كوسيلة لإصلاح السلوك دون تدمير حياة الفرد.

الإطار القانوني للعقوبات البديلة في سويسرا

دخلت العقوبات البديلة حيّز التنفيذ رسميًا في سويسرا مع مراجعة القانون الجنائي سنة 2007. ومنذ ذلك الحين، أصبح بالإمكان استبدال العقوبات السالبة للحرية التي لا تتجاوز مدتها سنتين بأشكال بديلة من العقوبات، مثل:

. الغرامات المالية القابلة للتقسيط
. العمل لفائدة المجتمع
. تقييد الحرية تحت المراقبة
. الإقامة الجبرية باستخدام السوار الإلكتروني

ورغم أن هذه الإجراءات نُظمت بشكل رسمي في القرن الحادي والعشرين، فإن جذورها تعود إلى محاولات سابقة خلال القرن العشرين.

2007: نقطة التحول

يُعد عام 2007 محطة فاصلة في العدالة الجنائية السويسرية، حيث نصّ تعديل القانون الجنائي على إمكانية استبدال عقوبات الحبس القصيرة (أقل من 6 أشهر) بعقوبات بديلة، أبرزها :

. العمل لفائدة المجتمع (Travail d’intérêt général / Gemeinnützige Arbeit)
. الغرامات اليومية بدل الحبس (jours-amendes / Tagessätze)
. المراقبة مع وقف التنفيذ المشروط

 

أهداف الإصلاح القانوني

. الحد من اكتظاظ السجون
. التركيز على إعادة الإدماج بدل الردع العقابي البحت
. تقليص الآثار الاجتماعية والنفسية الناتجة عن السجن

مع الوقت، أصبحت العقوبات البديلة جزءًا رسميًا من النظام الجنائي السويسري، وتُطبق اليوم وفق نظام رقابي صارم ومبني على معايير دقيقة.

نقاط القوة في التجربة السويسرية

1 . منظومة قضائية دقيقة ومرنة
. يتمتع القضاة السويسريون بمرونة كبيرة لتقييم ظروف الجاني.
. العقوبات البديلة تُمنح فقط بعد تقييم نفسي-اجتماعي دقيق.
2 . فعالية في تقليل معدلات العودة للجريمة (العود)
. أظهرت دراسات رسمية أن معدل العود لدى من خضعوا لعقوبات بديلة أقل من أولئك الذين دخلوا السجن.
3 . نظام رقابة إلكترونية متطور
. يُستخدم السوار الإلكتروني مع نظام تحكم يعمل على مدار الساعة.
. يشمل مراقبة التنقل اليومي دون المساس بالحقوق الأساسية للفرد.
4 . عدالة اجتماعية في التنفيذ
. تُحسب الغرامات المالية حسب دخل الجاني ونفقاته.
. يُراعى في العمل المجتمعي مهارات الفرد لضمان الكرامة والفعالية.
5 . التركيز على إعادة الإدماج
. تُرافق العقوبة ببرامج نفسية، تدريب مهني، ودعم اجتماعي، ما يجعلها جزءًا من خطة إصلاح متكاملة.

 

مقارنة بين سويسرا وألمانيا: فلسفتان مختلفتان لنفس الهدف

رغم نجاح كل من سويسرا وألمانيا في تطبيق العقوبات البديلة، فإن فلسفة كل منهما في التنفيذ تختلف بشكل واضح.

أولًا: الفلسفة العقابية

. سويسرا 
تركز على إعادة الإدماج وإصلاح الجاني، مع تجنّب وصمة السجن، ما يجعل العقوبة وسيلة إصلاح لا مجرد ردع.

. ألمانيا 
تعتمد العقوبة كوسيلة ردع أولًا، وتُركز على العقوبات المالية والعمل المجتمعي كبديل للحبس.

ثانيًا: العدالة الاجتماعية

. سويسرا 
تُحدد الغرامات حسب الدخل والنفقات، ويُراعى في العمل المجتمعي قدرات الفرد. تُعتبر أكثر دقة وإنصافًا.

. ألمانيا 
تطبّق نظام الغرامات اليومية، لكن هناك انتقادات بأنها قد تؤثر بشكل غير عادل على الفقراء.

ثالثًا: فعالية المراقبة الإلكترونية (السوار الإلكتروني)

. سويسرا 
تُعدّ المراقبة الإلكترونية من أبرز أدوات العقوبات البديلة في النظام الجنائي السويسري، ويُطبّق السوار الإلكتروني وفق منظومة قانونية وتقنية متطورة تُراعي مبدأ التناسب والكرامة الإنسانية.

يندرج استخدام السوار الإلكتروني ضمن العقوبات التي تُستبدل بها العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة، ويُفرض بموجب أمر قضائي، بعد تقييم مهني اجتماعي ونفسي دقيق. ويتّسم النظام السويسري بالخصائص التالية

. تحديد الموقع الجغرافي في الزمن الحقيقي (real-time GPS monitoring)، بما يُمكّن من مراقبة دقيقة لحركة الشخص المعني.
. تنظيم ساعات الخروج والعودة وفق جدول زمني يحدده القاضي أو الجهة المختصة، بما يسمح بممارسة أنشطة محددة (العمل، العلاج الطبي، الالتزامات العائلية…) دون خرق لشروط المراقبة.
. إدماج المراقبة الإلكترونية ضمن برامج إعادة الإدماج الاجتماعي والمهني، ما يجعلها جزءًا من منظومة إصلاحية شاملة لا تقتصر على الردع.

هذا النظام يُدار من خلال مراكز تحكّم تعمل على مدار الساعة، تضمن احترام شروط الإقامة الجبرية الإلكترونية وتُفعّل التدخل الفوري عند المخالفة.

تتفوّق سويسرا في هذا المجال مقارنة بنماذج أوروبية أخرى، من حيث مستوى التطور التقني، دقة التطبيق، والتخصيص الفردي للعقوبة بما يتناسب مع وضع كل شخص، وهو ما يُعزز من فعالية العقوبة ويُقلّل من احتمالات العودة إلى الجريمة.

. ألمانيا 
يُستخدم السوار الإلكتروني أيضًا، لكن غالبًا في قضايا الجرائم المتوسطة دون نفس المستوى من التخصيص.

رابعًا: معدلات العودة للجريمة (العود)

. سويسرا 
حققت نتائج ممتازة في تقليل العود، بفضل الجمع بين العقوبة والدعم النفسي والاجتماعي.

. ألمانيا 
شهدت انخفاضًا ملحوظًا، خاصة في الجنح، لكن يبقى التأثير أقل مما هو عليه في النموذج السويسري.


خامسًا: البنية المؤسساتية والقانونية

. سويسرا 
تتمتع بنظام فيدرالي ذي تنسيق مرن وبسيط إداريًا، مع قوانين موحدة وفعالة.

. ألمانيا 
أيضًا نظام فيدرالي، لكن البيروقراطية في بعض الأحيان تُبطئ تنفيذ العقوبات البديلة

 

خلاصة

تُقدم سويسرا نموذجًا متقدمًا ومتوازنًا للعقوبات البديلة، يجمع بين:
. تقليل معدلات العود إلى الجريمة
   . احترام البعد الإنساني والكرامة الفردية
. تحقيق عدالة اجتماعية تراعي الطبقات والفوارق الاقتصادية
   . فعالية في الرقابة والتنفيذ الإداري

في المقابل، تظل ألمانيا نموذجًا قويًا، خاصة في الجرائم الاقتصادية والتنظيم الإداري، لكنها أقل مرونة وإنصافًا في بعض الجوانب الاجتماعية مقارنة بسويسرا.
 

مرتكزات نظرية مستخلصة من التجربة السويسرية

تُظهر التجربة السويسرية أن العقوبة الجنائية لا ينبغي أن تُفهم بوصفها نهاية قاطعة لمسار الفرد في المجتمع، بل كآلية قانونية تهدف إلى الإصلاح وإعادة الإدماج، متى ما تم تصميمها وتنفيذها في إطار يوازن بين الصرامة القانونية، البُعد الإنساني، والنجاعة الاجتماعية.

 

إن اعتماد العقوبات البديلة، وعلى رأسها المراقبة الإلكترونية، يُبرز إمكانية بناء نظام عقابي يُحقق الردع العام والخاص دون المساس بالكرامة الإنسانية، ويُوفر في ذات الوقت أدوات عملية لإعادة تأهيل الجاني ومنع تكرار الجريمة.
 

بالتالي، فإن فلسفة العقوبة في سويسرا تقوم على مبدأ التكامل بين الوظيفة الزجرية والوظيفة الوقائية والإصلاحية، مما يجعل من العقوبة فرصة قانونية لإعادة التوجيه، لا مجرد أداة للإقصاء أو الإيذاء.

 

{ يتبع }

للاطلاع على مزيد من التفاصيل، المرجو زيارة الرابط التالي :

https://maglor.fr/mre/mn-alns-aly-alwaq-hl-tunqdh-almward-albshryt-mshrw-alqwbat-albdylt

 

Arabe
Partager sur :