
بعد مرور مائة يوم على الخطاب الملكي الذي شدد على ضرورة إعادة هيكلة مجلس الجالية المغربية بالخارج وإنشاء المؤسسة المحمدية لمغاربة العالم، لا تزال الانتظارات كبيرة، بينما يواصل مغاربة المهجر الترقب لمعرفة مدى التزام الحكومة بتفعيل هذه التوجيهات الملكية. وفي هذا السياق، نظم المجلس المدني الديمقراطي للهجرة المغربية ندوة خاصة يوم 15 فبراير 2025 في دار حقوق الإنسان ببروكسيل، بحضور فاعلين جمعويين من فرنسا، هولندا، إسبانيا، ألمانيا وبلجيكا.
تأخر الإصلاحات يثير التساؤلات
رغم الأهمية التي حملها الخطاب الملكي في توجيه الحكومة نحو إصلاح مجلس الجالية وإعادة النظر في آليات تدبير قضايا مغاربة العالم، إلا أن المتابعين لهذا الملف يرون أن التفاعل الحكومي لم يكن في مستوى التطلعات. فحتى اليوم، لم تصدر الحكومة أي خطوات عملية أو جدول زمني واضح يحدد كيفية تنفيذ هذه الإصلاحات، مما يزيد من مخاوف الفاعلين الجمعويين من أن تتحول هذه التوجيهات إلى مجرد وعود غير منفذة. في الندوة الأخيرة التي نظمتها مجموعة من الفعاليات الجمعوية، تم التأكيد على أن الحكومة تأخرت في اتخاذ قرارات ملموسة، وهو ما يهدد مصداقية التعهدات الملكية في هذا المجال.

تمثيل سياسي غائب رغم الوعود الدستورية
يُعتبر غياب المشاركة السياسية لمغاربة المهجر إحدى النقاط الخلافية الكبرى، حيث تنص الفصول 16, 17, و18 من الدستور المغربي على ضرورة إشراك الجالية في الحياة السياسية والمؤسساتية للبلاد. ومع ذلك، لم يتم حتى الآن تفعيل هذه البنود بطريقة عملية، وهو ما يدفع بالكثيرين إلى التساؤل عن الإرادة الحقيقية للحكومة في هذا المجال. في الندوة، ألح المشاركون على ضرورة الإسراع في تفعيل هذه الحقوق وإشراك أطر المجتمع المدني من مغاربة العالم في النقاشات المتعلقة بتفعيل مضامين الخطاب الملكي، داعين إلى حل هذه المعضلة لضمان فعالية الإصلاحات.

المجتمع المدني في مواجهة التحديات
رغم العقبات، يواصل المجتمع المدني المغربي في الخارج تنظيم نفسه للمطالبة بحقوق الجالية، سواء عبر لقاءات مع مسؤولين حكوميين أو عبر الندوات والفعاليات المختلفة. لكن هذه الجهود تواجه تحديات كبرى، منها نقص التمويل، غياب التنسيق بين الجمعيات، والتنافس غير البناء بين بعض الفاعلين، مما يضعف من تأثير هذه المبادرات. في هذا السياق، أكد المشاركون في اللقاء الأخير على أهمية التكاتف بين جميع الجمعيات ورفض الزعامات الفيسبوكية الوهمية، مؤكدين أن العمل الجمعوي يحتاج إلى ورشات تكوينية وندوات علمية بشراكة مع مراكز البحث، لتحسين مستوى الأداء ورفع الوعي السياسي بين أفراد الجالية.

الهجرة في سياق دولي مضطرب
إضافة إلى التحديات الداخلية، يعيش مغاربة العالم في ظل بيئة سياسية متوترة، خاصة مع تصاعد خطاب العنصرية والتمييز في بعض الدول وزيادة الممارسات التمييزية ضد المهاجرين. كما أن المشاكل الإدارية التي يواجهها المغاربة بالخارج، سواء من حيث الخدمات القنصلية أو تسهيل الاستثمارات بالمغرب، تظل من الملفات العالقة التي تحتاج إلى حلول عاجلة. هذه القضايا كانت محور نقاش آخر في الندوة، حيث دعا المشاركون إلى ضرورة إيجاد حلول ملموسة لهذه المشاكل التي تؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية للمغاربة المقيمين بالخارج.

نحو مرحلة جديدة؟
يرى المشاركون في الندوة أن المرحلة المقبلة يجب أن تكون مرحلة إصلاحات جذرية وليست شكلية، حيث يتعين على الحكومة تقديم خطة واضحة تحدد كيفية تنفيذ التوجيهات الملكية، مع ضرورة إشراك الفاعلين الجمعويين في أي عملية إصلاح لضمان شموليتها وفعاليتها. وقد أشار البيان الصادر عن المجلس المدني الديمقراطي للهجرة المغربية إلى أن الحكومة تأخرت في اتخاذ خطوات فعلية، وهو ما يزيد من القلق بشأن مستقبل الإصلاحات المرتقبة. كما أكد البيان على رفض إشراك الوجوه القديمة التي أشرفت على التجربة الفاشلة لمجلس الجالية في المشروع الملكي الجديد.

ما الخطوة المقبلة؟
في ظل استمرار الجدل حول مصير مجلس الجالية ومشاركة المغاربة المقيمين بالخارج في الحياة السياسية، يظل السؤال المطروح: هل ستتحرك الحكومة فعلاً لتفعيل هذه الإصلاحات أم ستبقى الأمور تراوح مكانها؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد مستقبل علاقة الجالية المغربية بوطنها الأم، ومدى قدرتها على الإسهام في تنمية المغرب من مواقعها المختلفة. كما أن أي تأخير إضافي في تطبيق هذه الإصلاحات قد يؤثر سلبًا على مصداقية الحكومة في التعاطي مع قضايا مغاربة العالم.
تجدون بيان المجلس المدني الديمقراطي للهجرة المغربية أسفله