
مع حلول شهر رمضان المبارك، يكتسي مسجد محمد الخامس بضواحي باريس حلّةً روحانية مميزة، حيث تجتمع الجالية المسلمة، وعلى رأسها المغاربة، لإحياء هذه المناسبة المباركة في جو من الإيمان والتآخي. تفيض جنبات المسجد بصلاة التراويح والذكر، فيما تعلو أصوات الدعاء والتلاوة، مجسدةً روحانية هذا الشهر الفضيل. ويستقبل المسجد أكثر من 3000 مصلي يوم الجمعة، مما يبرز مكانته المركزية في حياة الجالية المغربية في فرنسا ويعكس دوره البارز كمكان للعبادة والالتقاء الروحي..
لكن وسط هذه الأجواء الإيمانية، يظل المسجد محطّ أنظار العديد من الجهات التي تسعى للسيطرة عليه، مما يضعه في قلب صراع خفي قد يؤدي إلى تكرار سيناريوهات مؤلمة شهدتها مساجد أخرى في أوروبا، حيث فقد المغاربة إشرافهم على مؤسسات دينية كانت تمثل امتدادًا لهويتهم.
معلمة دينية مغربية في قلب فرنسا محط أطماع متعددة
لا يخفى على أحد أن مسجد محمد الخامس بكولومب يحمل رمزية وطنية كبيرة، فهو ليس مجرد مكان للصلاة، بل يمثل امتدادًا للهوية الدينية المغربية في المهجر، وجسرًا يربط الجالية بوطنها الأم. غير أن هذه المكانة المتميزة جعلته عرضة لأطماع جهات مختلفة، تسعى للسيطرة عليه، سواء لتحقيق مصالح شخصية أو لخدمة أجندات لا تمتّ بصلة لهويته الأصلية.
لقد شهدنا في السابق كيف فقدت الجالية المغربية إشرافها على مساجد عدة في أوروبا، بعدما كانت لعقود مراكز دينية وثقافية تعكس هويتها. واليوم، نجد أنفسنا أمام خطر مماثل يهدد مسجد محمد الخامس، مما يدفعنا للتساؤل: إلى متى ستظل هذه الصروح الدينية في مهب الصراعات، وأين هي الجهات التي يفترض أن تحميها وتحافظ على هويتها؟
الحاج عبد الله أزيوال: رجل يقاوم وحيدًا… لكن إلى متى؟
في خضم هذه الأوضاع، يبرز اسم الحاج عبد الله أزيوال، رئيس الجمعية الثقافية للمسلمين بكولومب، التي تدير مسجد محمد الخامس، الرجل الذي لم يدّخر جهدًا في الدفاع عن المسجد، مستعينًا بموارده الشخصية وإرادته الصلبة. على الرغم من التحديات العمرية التي يواجهها، فإنه لا يزال يقف سدًا منيعًا أمام كل المحاولات التي تستهدف هذا المعلم الديني.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: إلى متى يمكن لرجل واحد أن يتحمل عبء هذه المواجهة؟ ألا يستحق الدعم والمؤازرة من مؤسسات الدولة والمجتمع المدني المغربي؟ أم أننا سنكتفي بالمشاهدة حتى نفقد هذا المسجد كما فقدنا غيره من قبل؟
مؤسسة الحسن الثاني ودور المغرب في حماية هويته الدينية
لا يمكن الحديث عن دور المغرب في الحفاظ على مساجده ومؤسساته الدينية بالخارج دون الإشادة بجهود مؤسسة الحسن الثاني التي قامت بعدة مبادرات لدعم المغاربة في الخارج وضمان استمرارية ارتباطهم بهويتهم الإسلامية والمغربية. لكن الواقع يفرض أن هذه الجهود وحدها لا تكفي، فالتحديات تزداد، والمخاطر تتعاظم، مما يستدعي تدخلًا أكثر قوة لحماية المسجد من الضياع.
إن المطلوب من الجهات المعنية، سواء كانت مؤسسات الدولة المغربية أو المجتمع المدني أو حتى الهيئات الدينية، هو تكثيف الجهود والعمل بشكل مشترك لحماية هذه المساجد والمراكز الدينية التي تعتبر حجر الزاوية في الحفاظ على الهوية المغربية في المهجر. لكن لا يمكن التغافل عن حقيقة أن مسجد محمد الخامس في حاجة إلى دعم قانوني ودبلوماسي أكثر من أي وقت مضى، إذ إن التدخلات القانونية قد تساهم في حماية حقوقه من أي تهديدات قانونية قد تواجهه، بينما تحتاج الدبلوماسية المغربية إلى التحرك بشكل فعال لضمان دعم دولي لهذه المعالم الدينية التي تمثل جزءًا من تاريخ وهوية المغاربة في الخارج.
نداء إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس
إن هذا المسجد ليس مجرد بناء ديني، بل هو جزء من إرث جدكم المغفور له محمد الخامس، وهو اليوم في حاجة ماسة إلى التفاتتكم السامية لحمايته من التهديدات التي تلاحقه. إن مسيري مسجد محمد الخامس والجالية المغربية في فرنسا، الذين يرتبطون بوطنهم الأم بكل فخر، يناشدون جلالتكم التدخل شخصيًا لإنهاء هذا الجدل، ووضع حد للمحاولات التي تستهدف المسجد، وذلك حفاظًا على هويته المغربية واستمرارًا لرسالة المغرب في نشر قيم التسامح والاعتدال.
إنهم يطلبون من جلالتكم التدخل من أجل تمكين جمعية مسجد محمد الخامس بكولومب من الحصول على شهادة ملكية العقار الذي يقع عليه المسجد، وذلك لكي تتمكن الجمعية من تسجيله في المحافظة العقارية بكولومب بضواحي باريس باسم المملكة المغربية، مما يقطع الطريق على أي أطراف قد تسعى للاستيلاء عليه. هذا المسجد يمثل نقطة وصل مهمة بين مغاربة باريس ويعد جسرًا للتواصل الروحي والثقافي بين الجالية العربية وبلدها الأم عبر الأجيال: من الماضي إلى الحاضر وإلى المستقبل.
.
الجالية المغربية تنتظر موقفًا حاسمًا يضمن بقاء هذا المسجد تحت وصاية المغرب، بعيدًا عن كل المساومات والصراعات. فكما كان لبلدنا دور ريادي في بناء هذا المسجد، يجب أن يكون له دور حاسم في الحفاظ عليه
ختامًا… المسجد قضية الجميع
مسجد محمد الخامس ليس قضية فرد أو مؤسسة بعينها، بل هو قضية وطنية تهم كل مغربي حريص على إرثه الديني وهويته الثقافية. والتحديات التي تواجهه اليوم تتطلب تضافر الجهود، سواء من قبل السلطات المغربية أو أفراد الجالية، لضمان بقاء هذا الصرح شامخًا يؤدي رسالته الروحية والثقافية.