مع اقتراب إحالته التشريعية على البرلمان الفرنسي بغرفتيه الشيوخ والنواب، تجدد نقاش “هجرة الكفاءات” مع تدارس مجلس الوزراء الفرنسي، يوم فاتح فبراير الجاري، “قانون الهجرة الجديد”، في خطوة تأجلت عدة مرات بسبب الجدل الذي أثاره القانون منذ إعلانه من طرف وزير العمل والاندماج الفرنسي في نونبر الماضي ضمن مقابلة مع يومية “لوموند”.
القانون، الذي بدأ نقاشه في خضم “أزمة اجتماعية” سببها تداول رفع سن التقاعد بفرنسا، يُعتبر أحد أهم مشاريع العهدة الرئاسية الثانية لإيمانويل ماكرون.
واستعرض وزير الداخلية، جيرالد دارمانان، ووزير العمل، أوليفييه دوسوبت، نصاً قانونيا أمام الحكومة الفرنسية يضم الشق الثاني منه الجانب الإنساني لحالات الهجرة والإقامة بفرنسا؛ شاملاً “إدماج المقيمين بطريقة غير شرعية من خلال منح بطاقات إقامة للعاملين بشكل غير قانوني في المهن التي تعاني نقصا في اليد العاملة على غرار أعوان النظافة والحراسة والمطاعم والبناء”.
بينما أثار “تسهيل إجراءات إقامة الكفاءات المهنية في المجال الطبي والصيدلة” مخاوف جدّية في أوساط المهنيين من “نهب” الكفاءات واليد العاملة الماهرة في المجال الصحي والطبي.
“نقاش عالمي”
تعليقاً على الموضوع، شدد الطيب حمضي، نائب رئيس الفدرالية الوطنية للصحة بالمغرب، على أن “مسألة هجرة الأطباء محط نقاش دولي متزايد سيتفاقم خلال السنوات القليلة المقبلة، وليس ظاهرة تخص المغرب”، مشيرا إلى “المسألة أضحت تحتاج فعلاً إلى تقنين أو كيفيات الضبط دون الإخلال بحق الأشخاص وحرياتهم كأفراد في التنقل”.
وأوضح حمضي، في تصريح لإحدى الجرائد الالكترونية المغربية، أن “الحاجة إلى مهنيي الصحة من أطباء وصيادلة أو ممرضين تزداد عالميا في مختلف النظم الصحية، لاسيما مع ارتفاع معدلات الشيخوخة، وما أبان عنه كوفيد-19 من أن ضمان الرفاه الاقتصادي رهين بمنظومة صحية قوية”، قبل تسجيله أن “الطلبة بدول الشمال لم يعودوا يتجهون في الغالب إلى الدراسات الطبية، لعدة أسباب أبرزها طول مدة التكوين (بمعدل 13 سنة)، وكذا كون أجور الأطباء لا تختلف كثيرا عن أجور مهن أخرى مرموقة”، فضلا عن “ثقل المسؤولية القانونية للطبيب”.
الطبيب الباحث في السياسات والنظم الصحية أورد، في معرض حديثه لإحدى الجرائد الالكترونية المغربية، أمثلة عن دول إفريقية يغادرها أطباؤها وممرضوها إلى أوروبا بعد انتهاء مدة تكوينهم، مستحضرا مؤشرات دالة عن كون “كل طبيب من أربعة في دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ينحدر من أصل أجنبي، وطبيب من كل 5 أطباء تكوّن خارج هذه الدول”.
نقل “التصحر الطبي”
أكد حمضي أن “القانون الفرنسي الجديد لتسهيل هجرة الأطر الطبية، على غرار ما سنته ألمانيا وبريطانيا، سيؤثر لا محالة على نزيف هجرة الأطباء في المغرب والدول الناطقة بالفرنسية، نظرا لسهولة التواصل باللغة الفرنسية كلغة للتكوين في الدول الإفريقية”.
ونبه المتحدث ذاته إلى أن “فرنسا تبحث عن حل مشاكلها على حساب مستعمراتها السابقة، من خلال نقل ‘التصحر الطبي’ لديها، حيث عدد الأطباء غير كاف لتغطية حاجيات الساكنة، إلى مستعمراتها في دول الجنوب وشمال إفريقيا وإفريقيا الفرانكفونية”، لافتا إلى أن “المغرب استوعب مبكرا هذا المشكل الذي يؤثر على أداء منظومته الصحية عبر محاولة إيجاد حلول”.
وخلص نائب رئيس الفدرالية الوطنية للصحة إلى أن “الحل لا يكمن في تكوين عدد كبير من الأطباء وحده، دون حلول موازية تخص تحسين ظروف العمل ومنظومة تحفيزهم بالأجور”، مسجلا أن “ثلُث الأطباء المغاربة يمارسون في الخارج حوالي 14 ألف طبيب”.
وختم المتحدث ذاته بضرورة “جعل مهنة الطبيب جذابة بالمغرب”، مع “البحث عن حلول محلية وعالمية تُوقف نهب خيرات وعقول المستعمرات السابقة”، في سياق تصاعد الإغراءات الخارجية والتنافس على الكفاءات.
مسؤولية “مشتركة”
من جهته، قال محمد سَلمي، مهني صيدلاني، رئيس جمعية “عالم الصيادلة المغاربة”، إن “ناقوس الخطر بخصوص موضوع هجرة الكفاءات الطبية تم قرْعُه منذ سنوات”، إلا أنه أصبح “أكثر إلحاحا اليوم” بالنظر إلى تزايد الطلب سنة بعد أخرى على الكفاءات الطبية الإفريقية بالخصوص، في إطار حركات هجرة عالمية للأدمغة.
وتساءل الصيدلاني ذاته، في حديث لإحدى الجرائد الالكترونية المغربية، عن مدى “قدرة النظام الصحي المغربي على استيعاب هذه الأعداد من الخريجين في ظروف توفر الحد الأدنى من الكرامة المهنية والمادية اللائقة”، قبل أن يحمل “مسؤولية تفاقم هجرة الأطباء ليس فقط لإغراءات العمل بالخارج وحدها، بل تتحملها المنظومة الوطنية بأكملها باعتبار مسؤولية كل شريك من جهته”.
وبخصوص الصيادلة، أكد المهني ذاته أنها فئة تنتمي إلى المنظومة الصحية لكنها “لا تحس بنزيف الهجرة بشكل كبير”، واصفا نسَب الصيادلة الذين يقررون العمل بالخارج بـ”القليلة”، لأن “أغلبية الصيادلة يعودون للمغرب بعد استكمال تكوينهم”، وفق إفادته.
ولم يُخف سلمي أن “المسؤولية يتقاسمها مهنيو الصحة -باختلاف فئاتهم– الذين تكمن مهمتهم في اقتراح قوانين وانتظار التفاعل الإيجابي من الوزارة الوصية والبرلمانيين”، مستحضرا في هذا الصدد “قوانين مهنية صحية متعثرة مازالت محط نقاش”.