Partager sur :

قاسم أشهبون يكتب عن مساهمة "مغاربة العالم" في تنمية الوطن الأم

قال قاسم أشهبون، الكاتب المغربي المقيم بهولندا، إن “التقديرات تشير إلى أن هذا الصيف سيعرف أكبر توافد للجالية المغربية مقارنة بسابقيه”، موضحا أن “الجالية المغربية في الخارج هي أكثر جالية ارتباطا بوطنها الأم، ليس فقط من طرف الجيلين الأول والثاني، بل حتى من طرف الأجيال الجديدة التي ولدت وترعرعت خارج المغرب”.

وأضاف أشهبون، في مقال له بعنوان “إسهام مغاربة العالم في تنمية الوطن الأم”، أن “ارتباط مغاربة العالم بالوطن الأم لا يتجلى خلال فصل الصيف فحسب”، موضحا أن “أحد أبرز تجلياته كذلك هي التحويلات المالية التي يتم إرسالها، سواء إلى الحسابات الخاصة في الأبناك المغربية أو كمساعدات إلى الأقارب والمحتاجين في المغرب”.

واستعرض الكاتب في مقاله، الذي يأتي على هامش اليوم الوطني للمهاجر، مجموعة من المبادرات والجمعيات الخيرية والتنموية التي يساهم من خلالها المغاربة في تنمية وطنهم، من بينها الإغاثة المغربية، وجمعية آيت حسان للتنمية، ومؤسسة (Santé pour Tous) الصحة للجميع، ومؤسسة منير للأعمال الاجتماعية، وجمعية المحسنين إكردوحا، وجمعية وفاس للتنمية بأوروبا، وجمعيات تضامنية من أجل ميضار الأعلى، ومؤسسة الأمل والتنمية بهولندا، وجمعية مرحبا…

هذا نص المقال:

جاء صيف 2022، وها هم مغاربة العالم يتهاطلون على الوطن الأم، نساء ورجالا، شبابا وشيوخا ومن كل أصقاع المعمور، مفضلين إياه لقضاء عطلتهم السنوية، رغم غلاء أسعار التذاكر، ورغم المزايا والإغراءات التي تتيحها وجهات سياحية أخرى.

تشير التقديرات إلى أن هذا الصيف سيعرف أكبر توافد للجالية المغربية مقارنة بسابقيه، حيث إن عدد الوافدين قد يتجاوز ثلاثة ملايين زائر. رقم قياسي. وليس هذا بمستغرب بعد سنتين كاملتين من الإغلاق الكلي أو الجزئي للحدود المغربية في وجه الملاحة الخارجية بسبب جائحة “كورونا”.

لا أبالغ إذا قلت إن الجالية المغربية في الخارج هي أكثر جالية ارتباطا بوطنها الأم، ليس فقط من طرف الجيلين الأول والثاني، بل حتى من طرف الأجيال الجديدة التي ولدت وترعرعت خارج المغرب. وأظن بأن هذا موضوع مثير يستحق البحث فيه من طرف طلاب الجامعات المغربية.

وارتباط مغاربة العالم بالوطن الأم لا يتجلى خلال فصل الصيف فحسب، بل إن أحد أبرز تجلياته كذلك هي التحويلات المالية التي يتم إرسالها، سواء إلى الحسابات الخاصة في الأبناك المغربية أو كمساعدات إلى الأقارب والمحتاجين في المغرب.

التحويلات المالية

كلنا نعرف بأن انطلاق الهجرة المغربية إلى أوروبا منذ أوائل ستينيات القرن الماضي، ومن شمال المغرب بالخصوص ومن الريف بشكل أخص، كان بدافع تحسين الوضع الاقتصادي للمهاجر ولعائلته. كان الاعتقاد السائد آنذاك لدى رواد الجيل الأول هو الهجرة للعمل لبضع سنوات ثم العودة نهائيا بعد توفير مبلغ من المال لاستثماره في مشروع قار بالمغرب. ولكن أمد هذه الهجرة المؤقتة سيطول ليتحول مع مرور الوقت إلى إقامة دائمة، وباقي فصول الحكاية وتفاصيلها نعرفها كلنا أيضا.

وخلال كل هذه الفترة الممتدة على مدى ستين سنة، لم يتخل المهاجرون المغاربة (من منظور المغرب) والمواطنون من أصل مغربي (من منظور بلدان الاستقبال) عن إرسال تحويلات إلى وطنهم الأم. مصارف هذه التحويلات يمكننا تصنيفها إلى ثلاثة أقسام:

ودائع في الأبناك.

تحويلات استثمارية وخاصة في مجال العقار.

تحويلات استهلاكية مباشرة لإعالة الأسرة وأحيانا بعض الأقارب والمعارف.

وكل هذه التحويلات تعتبر أحد أهم الموارد المالية للخزينة العامة من حيث مساهمتها في تقليص عجز ميزان الأداءات وفي الرفع من احتياطي العملة الصعبة لتغطية الواردات وسداد الديون الخارجية. هذا دون أن ننسى الجانب التنموي لهذه التحويلات من خلال مساهمتها في التخفيف من الفقر، وخلق مشاريع صغيرة في المناطق التي ينحدر منها المهاجر (وأحيانا خارجها) تساعد في تنمية الاقتصاد المحلي (مقاهٍ، دور سكنية، ضيعات فلاحية، محلات تجارية).

وحسب مكتب الصرف، بلغت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج خلال سنة 2021 حوالي 93,3 مليار درهم، مقابل 68,18 مليار درهم خلال سنة 2020، بارتفاع بنسبة 36,8. رقم قياسي كبير جدا، حيث لم يسبق للمغرب أن استقبل مثل هذا المبلغ من قبل عن طريق تحويلات أبنائه في الخارج.

ما يدعو إلى الدهشة أيضا هو كون هذا الارتفاع الهائل في تحويلات مغاربة العالم خلال عامي 2020 و2021 جاء متزامنا مع جائحة “كورونا” التي ضربت العالم ومازالت معظم الدول منهمكة في ترميم خسائرها الصحية والاقتصادية والاجتماعية وحتى النفسية.

لقد أكدت جائحة “كوفيد-19” حقيقة الاستعداد الفطري لدى الإنسان المغربي للبذل والعطاء دون انتظار أي مقابل في سبيل الوطن وأبناء الوطن. فرأينا كيف تجند مغاربة العالم (أفرادا وجمعيات) خلال السنتين المنصرمتين بكل تلقائية وحماس من أجل المساهمة في التخفيف من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للجائحة على إخوانهم من مغاربة الداخل، مقدمين بذلك أجمل الصور وأروعها في البذل والعطاء والتآزر. وللأمانة التاريخية، لعبت الديبلوماسية المغربية خلال الموجة الأولى من جائحة “كورونا” دورا كبيرا في مرافقة العالقين المغاربة خارج الحدود وإيوائهم وتطبيبهم والتكفل بهم بعد فتح الحدود الجوية بإرجاعهم إلى أرض الوطن. مبادرة حظيت باهتمام وتقدير كبيرين من طرف الإعلام الدولي.

مساعدات وتنمية محلية

حتى الأمس القريب، كانت جل الجمعيات المغربية بهولندا يتم إنشاؤها على أساس ثقافي أو رياضي أو اجتماعي. ولكن ما أصبح يثير الانتباه في السنوات الأخيرة هو التزايد المطرد في عدد الجمعيات الخيرية والتنموية التي أصبح يتم إنشاؤها من طرف الأجيال الناشئة. وهي ظاهرة تسري أيضا على باقي الدول الأوروبية التي تعرف وجودا مكثفا للجالية المغربية. وإذ كان يستحيل حصر كل هذه الجمعيات، فإنني سأتطرق باختصار إلى بعضها من تلك التي شاءت الظروف أن أتعرف عن قرب عليها.

الإغاثة المغربية

تعتبر الإغاثة المغربية إحدى أكبر المنظمات الخيرية المغربية بهولندا (وهي نشيطة أيضا في بلجيكا وفرنسا وإن بشكل أقل). تعنى بالأعمال الخيرية والتنموية لصالح الفئات الفقيرة والمناطق المهمشة في المغرب، وتركز بالأساس على مجالي التعليم والصحة من خلال إرسال معدات طبية وتعليمية وسيارات الإسعاف وسيارات النقل المدرسي إلى المناطق النائية وترميم مدارس وتزويدها بالحمامات.

تنظم حملات جمع تبرعات دورية أهمها: حملة رمضان، حملة الأضاحي، حملة الحقيبة المدرسية، حملة الشتاء. وفي إطار التخفيف من تداعيات الجائحة قامت خلال السنتين الماضيتين بتوزيع مساعدات عينية على مئات الأسر الفقيرة في مناطق مختلفة من بينها الريف.

جمعية آيت حسان للتنمية

جمعية حديثة تأسست بهولندا وتضم مغاربة العالم المقيمين بأوروبا المنحدرين من منطقة آيت حسان – آيت بلعيز (إقليم الدريوش). وقد تمكنت في وقت قصير من تحقيق عدد لا بأس به من المشاريع لصالح المنطقة، من بينها تزويد الساكنة بالماء الصالح للشرب وتقديم مساعدات للأسر المعوزة عن طريق صندوق لدعم الأرامل والأيتام. إلى جانب مشاريع في قيد الإنجاز مثل إعادة تأهيل ورد الاعتبار لسوق المنطقة التاريخي ثلاثاء إيارماواس. وتقوم كل صيف بتنظيم ملتقى في المنطقة يهدف إلى جمع شمل أبناء المنطقة المشتتين في الداخل والخارج وتشجيعهم على قضاء جزء من عطلتهم بموطن الآباء والأجداد.

مؤسسة (Santé pour Tous) الصحة للجميع

تأسست في هولندا سنة 2010 بمبادرة من الطبيب الجراح والفاعل الجمعوي ابن الحسيمة عبد العالي بن التهامي. مؤسسة نشيطة في المجال الصحي قامت منذ إنشائها بإجراء آلاف العمليات الجراحية للمعوزين في مختلف جهات المغرب وخاصة في المناطق النائية، من بينها أقاليم الحسيمة، الناضور والدريوش.
ابن التهامي هو بصدد الإعداد لإنشاء مستشفى للأطفال بالمغرب.

مؤسسة منير للأعمال الاجتماعية

المؤسسة تم إنشاؤها بمبادرة من حارس مرمى المنتخب الوطني منير المحمدي ويترأسها الفاعل الجمعوي النشيط بهولندا محمد الطلحاوي وتهدف إلى إدخال الفرحة في قلوب الأطفال وزرع الابتسامة على شفاههم وخاصة المعوزين وذوي الاحتياجات الخاصة منهم، من خلال توزيع الألبسة والمعدات الرياضية، تنظيم تربصات رياضية واكتشاف المواهب الرياضية ومساعدتها على التألق والاحتراف.
قامت المؤسسة في سنة 2020، وفي إطار المساهمة في التخفيف من تداعيات جائحة “كورونا”، بتقديم مساعدات مالية وعينية لمئات الأسر في إقليمي الناضور والدريوش. كما قامت بتقديم مساعدات لعشرات النساء اللواتي كن يعملن في مجال التهريب بعد توقف مصدر عيشهن بسبب إغلاق الحدود.

جمعية المحسنين إكردوحا

جمعية تضم أبناء قرية إكردوحا بإقليم الدريوش المقيمين في دول أوروبا الغربية. قامت بإنجاز العديد من المشاريع لصالح القرية مثل إعادة بناء مسجدها، تأهيل المقبرة، استصلاح طرق، التزويد بالماء الصالح للشرب، بناء سور وحمامات للمدرسة وتزويدها بالماء الشروب، توفير الأضاحي للأسر المعوزة، بناء منازل للأرامل، مساعدة الشباب من أجل تكوين أسر. وخلال جائحة “كورونا” قامت بتقديم مساعدات مهمة لمعوزي القرية.

جمعية وفاس للتنمية بأوروبا

جمعية توجه أنشطتها لمنطقة تفرسيت (إقليم الدريوش). قامت في السنوات الأخيرة بإنجاز مجموعة من المشاريع التنموية لفائدة الساكنة القروية، مثل توفير الماء الصالح للشرب والسقي بواسطة الطاقة الشمسية، توفير النقل المدرسي للطلبة الجامعيين، تعبيد طرق، إلى جانب مشاريع فلاحية أخرى. وقد قامت بدورها بالتخفيف من آثار الجائحة من خلال تقديم مساعدات مالية لما يقارب 150 عائلة.
جمعيات تضامنية من أجل ميضار الأعلى

تقوم أربع جمعيات نشيطة في كل من بلجيكا وهولندا وألمانيا بتقديم مساعدات وبرامج تنموية لصالح ميضار الأعلى بإقليم الدريوش وفي مجالات مختلفة.

وفي إطار التخفيف من آثار إجراءات “الكوفيد” قامت هذه الجمعيات بتنسيق مع جمعية أغبال للتنمية والتضامن بإدخال البهجة إلى بيوت مئات الأسر بالمنطقة من خلال مساعدات مالية وعينية.

مؤسسة الأمل والتنمية بهولندا

مقرها بمدينة ليدن الهولندية وتنشط بالخصوص في مجال تزويد المناطق المهمشة بسيارات الإسعاف والنقل المدرسي. الجمعية منهمكة حاليا في الاشتغال مع أطراف هولندية على تحقيق مشاريع للطاقات المتجددة بالمغرب.

جمعية مرحبا

جمعية نشيطة قامت خلال السنوات الأخيرة وانطلاقا من مقرها بمدينة هوفد دورب الهولندية بإرسال عدد كبير من سيارات الإسعاف والنقل المدرسي وكراس متحركة ميكانيكية وإلكترونية إلى مناطق مختلفة من المغرب، ومنها الحسيمة. إضافة إلى حفر آبار في مناطق نائية وتقديم مساعدات مالية وأضاحٍ وملابس وقفف رمضان.

توضيح لا بد منه

أتوقف هنا قليلا للإشارة إلى نقطة لا يتم الانتباه إليها كثيرا. ففي الحقيقة أن المبلغ الحقيقي لما يحوله مغاربة العالم إلى المغرب يتجاوز بكثير مبلغ التحويلات التي يتم الإعلان عنها من طرف مكتب الصرف. فبجانب التحويلات المالية الصرفة يجب ألا ننسى المساعدات العينية التي يرسلها مغاربة العالم كأفراد أو جمعيات أو يستصحبها أفراد الجالية خلال القدوم إلى البلد في فصل الصيف من ألبسة وتجهيزات مختلفة. فسيارات الإسعاف وسيارات النقل المدرسي والتجهيزات الطبية والتعليمية التي تطرقت إليها، لو ترجمناها إلى مبالغ مالية سنحصل على أرقام ستدهشنا أكثر.

وكل هذه الجمعيات التي ذكرتها ما هي إلا غيض من فيض من مئات الجمعيات المغربية الأخرى التي تقوم انطلاقا من بلدان إقامتها في أوروبا بأنشطة إنسانية وتنموية داخل المغرب، أحيانا على الصعيد الوطني وغالبا في المناطق التي ينحدرون منها.

خاتمة

واليوم، والمغرب يحتفل باليوم الوطني للمهاجر، أرى بأن الظرف قد حان أكثر من أي وقت مضى لتتحلى الحكومة والبرلمان الحاليين بالشجاعة الكافية من أجل تنزيل مضامين دستور 2011 المتعلقة بمغاربة العالم، وإشراكهم داخل الهيئات الاستشارية ومجالس الحكامة، والإسراع بتفعيل توصيات تقرير لجنة “النموذج التنموي الجديد”، الذي تم تقديمه أمام عاهل البلاد السنة الماضية، التي تهم مغاربة العالم أيضا.

إنها بهذا لا ترد بعض الجميل لجالية لم تتخل يوما واحدا عن الارتباط بهويتها ووطنها الأم والمساهمة في تنميته والدفاع عن قضاياه ووحدته الترابية فحسب، بل ستفسح المجال واسعا لاستفادة هذا الوطن من كفاءات وخبرات ما يزيد عن خمسة ملايين من أبنائه الموزعين في أرجاء المعمور.

 

Arabe
Partager sur :