
حظيت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، إبان فترة حالة الطوارئ الصحية الناتجة عن انتشار وباء كورونا، بتتبع المؤسسات المالية؛ فقد أفاد مكتب الصرف، من خلال نشرته الخاصة بالمؤشرات الشهرية للتجارة الخارجية لشهر نونبر 2021 ، بأن هذه التحويلات ارتفعت بنسبة 41,1 في المائة. كما أكد والي بنك المغرب، من خلال التقرير السنوي الذي قدمه إلى الملك برسم السنة المالية 2020، أن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج قد أبانت عن قدرة عالية على الصمود، حيث أنهت السنة بمنحنى الارتفاع، والذي شمل معظم بلدان الاستقبال باستثناء دول الخليج التي شهدت تحويلات المغاربة المقيمين بها تراجعا.
وتحمل هذه المعطيات الإحصائية في طياتها واقعا ملموسا يفيد بأن هذه التحويلات في نسبة كبيرة منها تحويلات استهلاكية، ناتجة عن الحس التضامني الذي يتميز به مغاربة العالم اتجاه عائلاتهم أثناء الأزمات أو خارجها. وهذا ما نفهمه من خلال قراءة تاريخية لهجرة المغاربة نحو أوروبا خلال القرن الماضي التي كانت بشكل خاص هجرة عمال من أجل إعالة أسرهم وعائلاتهم القاطنة بالمغرب، فتكرست (مع هذا النوع من الهجرة) التحويلات المرتبطة بالغرض الاستهلاكي الناتج عن إعالة العمال المقيمين بالخارج لعائلاتهم المقيمة بالمغرب. واستمر هذا النمط التضامني عبر الأجيال وارتفع، فاتضح أكثر بالأرقام الرسمية خلال ازمة كورونا.
إذن، من خلال هذه المعطيات نقف على أن الأمر يتعلق بتحويلات خارجة عن الحسابات المالية والاقتصادية الاعتيادية ومرتبطة بالأساس بالحسابات التضامنية العاطفية، ما يكون معه من اللازم رصد هذا الواقع وتتبعه واحتساب سلبياته وإيجابياته قصد تطويره، خاصة أن هذا المجال المالي الذي كان من الأسباب الأولى لنجاح المملكة المغربية لتجاوز العجز الناتج عن تدبير فترة الركود بل الموت الاقتصادي خلال فترة الحجر الصحي.
ولا أقصد هنا بتطوير المجال بتغيير البنية التضامنية التي تقف عليها تحويلات المغاربة المقيمة بالخارج؛ وهو أمر لن نستطيع إليه سبيلا، وإن تم السعي إلى تحقيقه، وإنما المقصود هو إعادة النظر في بنية التعامل المؤسساتي والتشريعي مع المغاربة المقيمين بالخارج وسحبهم نحو الاقتناع بضرورة تبني مقاربة التحويلات الاستثمارية التي تضمن مداخيل قارة سواء لعائلاتهم المقيمة بالمغرب، وكذا تضمن مشاريع خاصة بهم في البلد الأصل.
لا خلاف على أن الدولة تستفيد من تحويلات المغاربة سواء أكانت من أجل الاستثمارات أو من أجل الاستهلاك، إلا أن التنمية المرجو تحقيقها على المدى البعيد والتي تتبدى خطوطها العريضة من النموذج التنموي الجديد يجعلها ملزمة بالبحث على مداخل ومخرجات للرفع من نسبة التحويلات الاستثمارية، خاصة أن الاقتصاد المغربي يعرف اليوم تحولات نوعية على صعيد بنياته الإنتاجية.
إننا فعلا في حاجة إلى إعادة بلورة بنية تحويلات المالية لمغاربة العالم بإيجاد بنيات استثمارية مؤسساتية وتشريعية سهلة التنفيذ ويسيرة العمل بها في إطار إستراتيجية سبق أن دعا إليها الملك في خطابه بتاريخ 20 غشت 2015 والذي جاء فيه: “نجدد الدعوة لبلورة إستراتيجية من جهة تقوم على التفاعل والتنسيق بين المؤسسات الوطنية المختصة بقضايا الهجرة، وجعلها أكثر نجاعة في خدمة مصالح مغاربة الخارج، بما في ذلك الاستفادة من التجربة والخبرة التي راكمها مجلس الجالية، من أجل إقامة مجلس يستجيب لتطلعات أبنائنا بالخارج”.
وهذا لن يكون إلا بوجود دراسات واقعية تدمج بين المعطيات المتعلقة بمغاربة العالم ومعطيات القطاعات الإنتاجية والاستثمارية على مستوى البيئة الاقتصادية للمملكة المغربية؛ وهو الأمر الذي لا نجد له أثر فعلي (وإن كانت هناك إشارات إلى الموضوع) في الدراسات المنجزة من طرف الهيئات المؤسساتية المختصة، وغاب أيضا عن النموذج التنموي الجديد، إذ نسجل أن أغلب جلسات الاستماع الخاصة بالمؤسسات الدستورية غلب عليها مناقشة العلاقة العسيرة مع الهيئات الأخرى وصعوبة ممارسة صلاحياتها ضمن الحقل السياسي والمؤسساتي والإداري؛ وهو أمر على كل حال واقع، ويشكل أحد أسباب عدم تحقيق إستراتيجية واضحة المعالم تخدم مصالح مغاربة العالم.
كما أن تقرير النموذج التنموي الجديد في المحور المتعلق بمغاربة العالم عمد إلى تقنية التشخيص الذي أكد من خلاله أن 71 في المائة من الأموال المحولة توجه إلى تغطية النفقات الاعتيادية للأسر؛ في حين لا تزال حصة التحويلات المخصصة للمشاريع الاستثمارية منخفضة، حيث تبلغ حوالي 8 في المائة من إجمالي التحويلات؛ فيما يمثل الباقي ودائع نقدية لدى القطاع البنكي.
وعلاوة على ذلك، تتركز استثمارات مغاربة العالم بشكل كبير في قطاعات تتسم بقلة الابتكار، بحيث يتم استثمار حوالي 60 في المائة من تحويلاتهم الإجمالية في قطاع العقار أو البناء؛ وذلك راجع إلى أن سياسة جلب الادخار والاستثمار أصبح متجاوزا أمام التغيرات الاجتماعية والديمغرافية لمغاربة العالم ومنافسة أبناك بلدان الاستقبال، مع وجود سياسة تواصلية ضعيفة الاستهداف اتجاههم.
ولتجاوز هذا الوضع، اقترح النموذج التنموي خلق فرص استثمارية لمغاربة العالم في المغرب مع رصد عدد من الخطوات الإجرائية الداعمة؛ لكنها قاصرة عن تحقيق هذا التوجه الإستراتيجي، لأنه يقدم إجراءات هي في حاجة آنية إلى خطة عمل دقيقة لتدبير تفعيلها (الإجراءات)، لأنه سبق أن مررنا من ذات التجربة بعد إنجاز تقرير الخمسينية الذي رسم آفاق مغرب ممكن، والذي دعا إلى تحقيق أداء عمومي يخدم بالفعل الجالية المغربية، إلا أنه لم يتم إلا بلورة إجراءات تقنية مرتبطة بالمصالح الإدارية للجالية.
ومن ثمّ، ندعو المؤسسات السياسية والتشريعية والحكومية والمؤسسات الدستورية المختصة، وعلى رأسها مجلس الجالية المغربية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى ضرورة الدفع في اتجاه إلى بلورة خطة عمل تتميز بالنجاعة وقابلة للتنزيل والأجرأة في مجال تغيير بنية تحويلات المغاربة من تحويلات تضامنية استهلاكية إلى تحويلات استثمارية، وقبل ذلك إطلاق دراسات ولقاءات علمية عملية لإيجاد المخارج اللازمة لتحقيق هذا التوجه الإستراتيجي.
حظيت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، إبان فترة حالة الطوارئ الصحية الناتجة عن انتشار وباء كورونا، بتتبع المؤسسات المالية؛ فقد أفاد مكتب الصرف، من خلال نشرته الخاصة بالمؤشرات الشهرية للتجارة الخارجية لشهر نونبر 2021 ، بأن هذه التحويلات ارتفعت بنسبة 41,1 في المائة. كما أكد والي بنك المغرب، من خلال التقرير السنوي الذي قدمه إلى الملك برسم السنة المالية 2020، أن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج قد أبانت عن قدرة عالية على الصمود، حيث أنهت السنة بمنحنى الارتفاع، والذي شمل معظم بلدان الاستقبال باستثناء دول الخليج التي شهدت تحويلات المغاربة المقيمين بها تراجعا.
وتحمل هذه المعطيات الإحصائية في طياتها واقعا ملموسا يفيد بأن هذه التحويلات في نسبة كبيرة منها تحويلات استهلاكية، ناتجة عن الحس التضامني الذي يتميز به مغاربة العالم اتجاه عائلاتهم أثناء الأزمات أو خارجها. وهذا ما نفهمه من خلال قراءة تاريخية لهجرة المغاربة نحو أوروبا خلال القرن الماضي التي كانت بشكل خاص هجرة عمال من أجل إعالة أسرهم وعائلاتهم القاطنة بالمغرب، فتكرست (مع هذا النوع من الهجرة) التحويلات المرتبطة بالغرض الاستهلاكي الناتج عن إعالة العمال المقيمين بالخارج لعائلاتهم المقيمة بالمغرب. واستمر هذا النمط التضامني عبر الأجيال وارتفع، فاتضح أكثر بالأرقام الرسمية خلال ازمة كورونا.
إذن، من خلال هذه المعطيات نقف على أن الأمر يتعلق بتحويلات خارجة عن الحسابات المالية والاقتصادية الاعتيادية ومرتبطة بالأساس بالحسابات التضامنية العاطفية، ما يكون معه من اللازم رصد هذا الواقع وتتبعه واحتساب سلبياته وإيجابياته قصد تطويره، خاصة أن هذا المجال المالي الذي كان من الأسباب الأولى لنجاح المملكة المغربية لتجاوز العجز الناتج عن تدبير فترة الركود بل الموت الاقتصادي خلال فترة الحجر الصحي.
ولا أقصد هنا بتطوير المجال بتغيير البنية التضامنية التي تقف عليها تحويلات المغاربة المقيمة بالخارج؛ وهو أمر لن نستطيع إليه سبيلا، وإن تم السعي إلى تحقيقه، وإنما المقصود هو إعادة النظر في بنية التعامل المؤسساتي والتشريعي مع المغاربة المقيمين بالخارج وسحبهم نحو الاقتناع بضرورة تبني مقاربة التحويلات الاستثمارية التي تضمن مداخيل قارة سواء لعائلاتهم المقيمة بالمغرب، وكذا تضمن مشاريع خاصة بهم في البلد الأصل.
لا خلاف على أن الدولة تستفيد من تحويلات المغاربة سواء أكانت من أجل الاستثمارات أو من أجل الاستهلاك، إلا أن التنمية المرجو تحقيقها على المدى البعيد والتي تتبدى خطوطها العريضة من النموذج التنموي الجديد يجعلها ملزمة بالبحث على مداخل ومخرجات للرفع من نسبة التحويلات الاستثمارية، خاصة أن الاقتصاد المغربي يعرف اليوم تحولات نوعية على صعيد بنياته الإنتاجية.
إننا فعلا في حاجة إلى إعادة بلورة بنية تحويلات المالية لمغاربة العالم بإيجاد بنيات استثمارية مؤسساتية وتشريعية سهلة التنفيذ ويسيرة العمل بها في إطار إستراتيجية سبق أن دعا إليها الملك في خطابه بتاريخ 20 غشت 2015 والذي جاء فيه: “نجدد الدعوة لبلورة إستراتيجية من جهة تقوم على التفاعل والتنسيق بين المؤسسات الوطنية المختصة بقضايا الهجرة، وجعلها أكثر نجاعة في خدمة مصالح مغاربة الخارج، بما في ذلك الاستفادة من التجربة والخبرة التي راكمها مجلس الجالية، من أجل إقامة مجلس يستجيب لتطلعات أبنائنا بالخارج”.
وهذا لن يكون إلا بوجود دراسات واقعية تدمج بين المعطيات المتعلقة بمغاربة العالم ومعطيات القطاعات الإنتاجية والاستثمارية على مستوى البيئة الاقتصادية للمملكة المغربية؛ وهو الأمر الذي لا نجد له أثر فعلي (وإن كانت هناك إشارات إلى الموضوع) في الدراسات المنجزة من طرف الهيئات المؤسساتية المختصة، وغاب أيضا عن النموذج التنموي الجديد، إذ نسجل أن أغلب جلسات الاستماع الخاصة بالمؤسسات الدستورية غلب عليها مناقشة العلاقة العسيرة مع الهيئات الأخرى وصعوبة ممارسة صلاحياتها ضمن الحقل السياسي والمؤسساتي والإداري؛ وهو أمر على كل حال واقع، ويشكل أحد أسباب عدم تحقيق إستراتيجية واضحة المعالم تخدم مصالح مغاربة العالم.
كما أن تقرير النموذج التنموي الجديد في المحور المتعلق بمغاربة العالم عمد إلى تقنية التشخيص الذي أكد من خلاله أن 71 في المائة من الأموال المحولة توجه إلى تغطية النفقات الاعتيادية للأسر؛ في حين لا تزال حصة التحويلات المخصصة للمشاريع الاستثمارية منخفضة، حيث تبلغ حوالي 8 في المائة من إجمالي التحويلات؛ فيما يمثل الباقي ودائع نقدية لدى القطاع البنكي.
وعلاوة على ذلك، تتركز استثمارات مغاربة العالم بشكل كبير في قطاعات تتسم بقلة الابتكار، بحيث يتم استثمار حوالي 60 في المائة من تحويلاتهم الإجمالية في قطاع العقار أو البناء؛ وذلك راجع إلى أن سياسة جلب الادخار والاستثمار أصبح متجاوزا أمام التغيرات الاجتماعية والديمغرافية لمغاربة العالم ومنافسة أبناك بلدان الاستقبال، مع وجود سياسة تواصلية ضعيفة الاستهداف اتجاههم.
ولتجاوز هذا الوضع، اقترح النموذج التنموي خلق فرص استثمارية لمغاربة العالم في المغرب مع رصد عدد من الخطوات الإجرائية الداعمة؛ لكنها قاصرة عن تحقيق هذا التوجه الإستراتيجي، لأنه يقدم إجراءات هي في حاجة آنية إلى خطة عمل دقيقة لتدبير تفعيلها (الإجراءات)، لأنه سبق أن مررنا من ذات التجربة بعد إنجاز تقرير الخمسينية الذي رسم آفاق مغرب ممكن، والذي دعا إلى تحقيق أداء عمومي يخدم بالفعل الجالية المغربية، إلا أنه لم يتم إلا بلورة إجراءات تقنية مرتبطة بالمصالح الإدارية للجالية.
ومن ثمّ، ندعو المؤسسات السياسية والتشريعية والحكومية والمؤسسات الدستورية المختصة، وعلى رأسها مجلس الجالية المغربية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى ضرورة الدفع في اتجاه إلى بلورة خطة عمل تتميز بالنجاعة وقابلة للتنزيل والأجرأة في مجال تغيير بنية تحويلات المغاربة من تحويلات تضامنية استهلاكية إلى تحويلات استثمارية، وقبل ذلك إطلاق دراسات ولقاءات علمية عملية لإيجاد المخارج اللازمة لتحقيق هذا التوجه الإستراتيجي.
حظيت تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، إبان فترة حالة الطوارئ الصحية الناتجة عن انتشار وباء كورونا، بتتبع المؤسسات المالية؛ فقد أفاد مكتب الصرف، من خلال نشرته الخاصة بالمؤشرات الشهرية للتجارة الخارجية لشهر نونبر 2021 ، بأن هذه التحويلات ارتفعت بنسبة 41,1 في المائة. كما أكد والي بنك المغرب، من خلال التقرير السنوي الذي قدمه إلى الملك برسم السنة المالية 2020، أن تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج قد أبانت عن قدرة عالية على الصمود، حيث أنهت السنة بمنحنى الارتفاع، والذي شمل معظم بلدان الاستقبال باستثناء دول الخليج التي شهدت تحويلات المغاربة المقيمين بها تراجعا.
وتحمل هذه المعطيات الإحصائية في طياتها واقعا ملموسا يفيد بأن هذه التحويلات في نسبة كبيرة منها تحويلات استهلاكية، ناتجة عن الحس التضامني الذي يتميز به مغاربة العالم اتجاه عائلاتهم أثناء الأزمات أو خارجها. وهذا ما نفهمه من خلال قراءة تاريخية لهجرة المغاربة نحو أوروبا خلال القرن الماضي التي كانت بشكل خاص هجرة عمال من أجل إعالة أسرهم وعائلاتهم القاطنة بالمغرب، فتكرست (مع هذا النوع من الهجرة) التحويلات المرتبطة بالغرض الاستهلاكي الناتج عن إعالة العمال المقيمين بالخارج لعائلاتهم المقيمة بالمغرب. واستمر هذا النمط التضامني عبر الأجيال وارتفع، فاتضح أكثر بالأرقام الرسمية خلال ازمة كورونا.
إذن، من خلال هذه المعطيات نقف على أن الأمر يتعلق بتحويلات خارجة عن الحسابات المالية والاقتصادية الاعتيادية ومرتبطة بالأساس بالحسابات التضامنية العاطفية، ما يكون معه من اللازم رصد هذا الواقع وتتبعه واحتساب سلبياته وإيجابياته قصد تطويره، خاصة أن هذا المجال المالي الذي كان من الأسباب الأولى لنجاح المملكة المغربية لتجاوز العجز الناتج عن تدبير فترة الركود بل الموت الاقتصادي خلال فترة الحجر الصحي.
ولا أقصد هنا بتطوير المجال بتغيير البنية التضامنية التي تقف عليها تحويلات المغاربة المقيمة بالخارج؛ وهو أمر لن نستطيع إليه سبيلا، وإن تم السعي إلى تحقيقه، وإنما المقصود هو إعادة النظر في بنية التعامل المؤسساتي والتشريعي مع المغاربة المقيمين بالخارج وسحبهم نحو الاقتناع بضرورة تبني مقاربة التحويلات الاستثمارية التي تضمن مداخيل قارة سواء لعائلاتهم المقيمة بالمغرب، وكذا تضمن مشاريع خاصة بهم في البلد الأصل.
لا خلاف على أن الدولة تستفيد من تحويلات المغاربة سواء أكانت من أجل الاستثمارات أو من أجل الاستهلاك، إلا أن التنمية المرجو تحقيقها على المدى البعيد والتي تتبدى خطوطها العريضة من النموذج التنموي الجديد يجعلها ملزمة بالبحث على مداخل ومخرجات للرفع من نسبة التحويلات الاستثمارية، خاصة أن الاقتصاد المغربي يعرف اليوم تحولات نوعية على صعيد بنياته الإنتاجية.
إننا فعلا في حاجة إلى إعادة بلورة بنية تحويلات المالية لمغاربة العالم بإيجاد بنيات استثمارية مؤسساتية وتشريعية سهلة التنفيذ ويسيرة العمل بها في إطار إستراتيجية سبق أن دعا إليها الملك في خطابه بتاريخ 20 غشت 2015 والذي جاء فيه: “نجدد الدعوة لبلورة إستراتيجية من جهة تقوم على التفاعل والتنسيق بين المؤسسات الوطنية المختصة بقضايا الهجرة، وجعلها أكثر نجاعة في خدمة مصالح مغاربة الخارج، بما في ذلك الاستفادة من التجربة والخبرة التي راكمها مجلس الجالية، من أجل إقامة مجلس يستجيب لتطلعات أبنائنا بالخارج”.
وهذا لن يكون إلا بوجود دراسات واقعية تدمج بين المعطيات المتعلقة بمغاربة العالم ومعطيات القطاعات الإنتاجية والاستثمارية على مستوى البيئة الاقتصادية للمملكة المغربية؛ وهو الأمر الذي لا نجد له أثر فعلي (وإن كانت هناك إشارات إلى الموضوع) في الدراسات المنجزة من طرف الهيئات المؤسساتية المختصة، وغاب أيضا عن النموذج التنموي الجديد، إذ نسجل أن أغلب جلسات الاستماع الخاصة بالمؤسسات الدستورية غلب عليها مناقشة العلاقة العسيرة مع الهيئات الأخرى وصعوبة ممارسة صلاحياتها ضمن الحقل السياسي والمؤسساتي والإداري؛ وهو أمر على كل حال واقع، ويشكل أحد أسباب عدم تحقيق إستراتيجية واضحة المعالم تخدم مصالح مغاربة العالم.
كما أن تقرير النموذج التنموي الجديد في المحور المتعلق بمغاربة العالم عمد إلى تقنية التشخيص الذي أكد من خلاله أن 71 في المائة من الأموال المحولة توجه إلى تغطية النفقات الاعتيادية للأسر؛ في حين لا تزال حصة التحويلات المخصصة للمشاريع الاستثمارية منخفضة، حيث تبلغ حوالي 8 في المائة من إجمالي التحويلات؛ فيما يمثل الباقي ودائع نقدية لدى القطاع البنكي.
وعلاوة على ذلك، تتركز استثمارات مغاربة العالم بشكل كبير في قطاعات تتسم بقلة الابتكار، بحيث يتم استثمار حوالي 60 في المائة من تحويلاتهم الإجمالية في قطاع العقار أو البناء؛ وذلك راجع إلى أن سياسة جلب الادخار والاستثمار أصبح متجاوزا أمام التغيرات الاجتماعية والديمغرافية لمغاربة العالم ومنافسة أبناك بلدان الاستقبال، مع وجود سياسة تواصلية ضعيفة الاستهداف اتجاههم.
ولتجاوز هذا الوضع، اقترح النموذج التنموي خلق فرص استثمارية لمغاربة العالم في المغرب مع رصد عدد من الخطوات الإجرائية الداعمة؛ لكنها قاصرة عن تحقيق هذا التوجه الإستراتيجي، لأنه يقدم إجراءات هي في حاجة آنية إلى خطة عمل دقيقة لتدبير تفعيلها (الإجراءات)، لأنه سبق أن مررنا من ذات التجربة بعد إنجاز تقرير الخمسينية الذي رسم آفاق مغرب ممكن، والذي دعا إلى تحقيق أداء عمومي يخدم بالفعل الجالية المغربية، إلا أنه لم يتم إلا بلورة إجراءات تقنية مرتبطة بالمصالح الإدارية للجالية.
ومن ثمّ، ندعو المؤسسات السياسية والتشريعية والحكومية والمؤسسات الدستورية المختصة، وعلى رأسها مجلس الجالية المغربية والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، إلى ضرورة الدفع في اتجاه إلى بلورة خطة عمل تتميز بالنجاعة وقابلة للتنزيل والأجرأة في مجال تغيير بنية تحويلات المغاربة من تحويلات تضامنية استهلاكية إلى تحويلات استثمارية، وقبل ذلك إطلاق دراسات ولقاءات علمية عملية لإيجاد المخارج اللازمة لتحقيق هذا التوجه الإستراتيجي.