الدكتوراه في الحقوق بميزة مشرف جدا مع تنويه جميع أعضاء لجنة المناقشة والتوصية بالطبع للباحث عمر أوحساين عن موضوع "الدفوع الشكلية وأثرها على الدعوى العمومية"
إحتضن مركز الدكتوراه التابع لجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس عشية يوم الجمعة 14 يناير 2022 مناقشة أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون تقدم بها الطالب الباحث عمر أوحساين في موضوع: " الدفوع الشكلية وأثرها على الدعوى العمومية". وقد تكونت لجنة المناقشة من السيد محمد بوزلافة أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بفاس مشرفا ورئيسا، والسيد عبد الحميد أخريف أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بفاس مقررا، والسيد محمد أحداف أستاذ التعليم العالي بكلية الحقوق بمكناس عضوا، والسيدة سعاد التيالي أستاذة التعليم العالي بكلية الحقوق بفاس مقررة، والسيد هشام الحموني أستاذ مؤهل بكلية الحقوق بمكناس مقررا. وبعد المداولة قررت اللجنة قبول الأطروحة، وقررت منحه لقب دكتور في الحقوق بميزة مشرف جدا مع تنويه أعضاء اللجنة العلمية بالإجماع ومع التوصية بالنشر"
إن من بين منطلقات اختيار الطالب الباحث لهذا الموضوع تتجلى في كون
الدفوع الشكلية تعد ضمانة مقررة لصالح الخصوم في الدعوى العمومية لفرض احترام سلامة الإجراءات، وحماية الحقوق والحريات. لأجل ذلك يبقى الهدف من تفعيل أثر نظام الدفوع هو ضمان النجاعة القضائية والحد من التقاضي بسوء نية وضمان الأساس الأخلاقي للقاعدة القانونية.
كما تعد نظرية الدفوع الشكلية من أمهم النظريات التي تهم الإجراءات المسطرية ومعيار انضباط المشرع والقضاء لمعايير المحاكمة العادلة كما هو متعارف عليه دوليا في المواثيق والعهود الدولية التي تؤسس للفرد الحق في محاكمة عادلة ونزيهة بعيدة عن التحكم والتعسف.
كما تكمن الأهمية العملية لهذا الموضوع في كونه من أهم الموضوعات التطبيقية والعملية التي تواجه المتدخلين في العدالة من قضاة ومحامون ودارسي القانون بالنظر للاشكالات العملية التى تطرحها سواء عند اثارتها وكيفية التمسك بها او عند ترتيب الاثار القانونية لها، ودلك فى ظل غياب الاعمال التحضيرية لمناقشة القوانين المسطرية.
كما أن الدراسات في الموضوع قليلة وشبه منعدمة سواء تعلق الأمر بالدفوع الشكلية أو الدفوع الإجرائية، وكونه موضوع واسع ومتشعب ومتداخل مع عدة قوانين ولوجود تداخل بين قانون المسطرة الجنائية والقوانين المسطرة المدنية والقانون الدستورى وقانون الجنائي.
لقد سعى الطالب الباحث من خلال هذا الموضوع إلى طرح إشكالية محورية تتمثل في التساؤل عن طبيعة نظام أحكام دعوى الدفع الشكلي، وأثرها وتأثيرها على الدعوى العمومية.
كما أنه أسس لهذه الدراسة انطلاقا من فرضيات علمية وعملية تمثلت فيما يلي:
الى أي حد حاول الفقه والقضاء إيجاد تعريف لماهية الدفوع الشكلية وتحديد طبيعتها وتأثيرها على سير الدعوى العمومية؟
إلى أي مدى يمكن القول بأن هناك إطارا قانونيا وفلسفيا ودستوريا لنظرية عامة لدعوى الدفع الشكلي؟
ما مدى طبيعة الدفوع التي تثار أمام القضاء الجنائي وماهى الأحكام المرتبطة بها وآثارها؟
إلى أي حد يمكن القول بأن العمل القضائي أسس لنظرية الدفوع الشكلية والأثار المترتبة عنها؟
إلى أي مدى يمكن القول بأن هناك إطارا عاما لنظرية البطلان باعتبارها صورة تطبيقية لنظام الدفوع الشكلية؟
وبخصوص المنهج المعتمد، وبغية التوصل إلى إجابات وافية عن إشكالية الدراسة، ثم اعتماد المنهج التحليلي من خلال تحليل الأفكار والمعلومات وربط الدفوع الشكلية بأهم الموضوعات وتحليل أهم تطبيقاتها على المستوى النظري والإجرائي.
كما تم اعتماد المنهج الوصفي الذي تستلزمه طبيعة الموضوع لكونه أسلوبا من أساليب التحليل الذي يقوم على وصف الدفوع وصفا عمليا بالاعتماد على التحليل كأداة، لأن طبيعة الموضوع تتطلب الوصف الدقيق والتحليل في آن واحد.
واعتمد الطالب الباحث أيضا على المنهج المقارن من خلال جمع وتحصيل ماله صلة بالموضوع من الناحية العملية والفقهية والقانونية، وبيان موقف بعض التشريعات المقارنة، مع إعمال المقارنة بينها كلما سمحت الدراسة بذلك، دون إغفال موقف الفقه في بعض المسائل، وبهدف الوصول لدراسة دقيقة لتعميمها على النظام القانوني تم الاعتماد كذلك المنهج الاستقرائي.
ولتبيان الطابع العملي لهذه الدراسة ثم الاستعانة بما توصل إليه الاجتهاد القضائي من خلال التعليق على بعض القرارات الصادرة عن محكمة النقض ومحاكم الموضوع وتطور الدي عرفه.
وبخصوص المنهجية المعتمدة، فقد قسم الطالب الباحث هذا البحث إلى قسمين تبعا لعنوان الأطروحة "الدفوع الشكلية، وأثرها على الدعوى العمومية"، حيث
خصص القسم الأول للتنظيم القانوني لدعوى الدفع الشكلي، حيث تطرق في الباب الأول للمقاربة الموضوعية للدفوع الشكلية.
وحاول الباحث، في الباب الثاني، وضع مقاربة اجرائية لدعوى الدفع الشكلي مستعرضين الضمانات المسطرية في مرحلة ما قبل المحاكمة وكذا الخصوصيات الإجرائية لمرحلة المحاكمة.
أما القسم الثاني من هذه الأطروحة فقد تم خصصيه للنظام الإجرائي لآثار دعوى الدفع الشكلي والذي تم التطرق فيه إلى المقاربة الموضوعية لتفعيل آثار الدفوع الشكلية؛ ليأتي الحديث بعدها عن القواعد العامة لإثارة الدفوع وإثباتها أمام القضاء والحكم الصادر في الدفع الشكلي وآثاره.
وفي ختام هذا القسم تم التطرق إلى المقاربة الإجرائية لنظام آثار الدفوع الشكلية، لينتقل بعدها الطالب الباحث إلى الحديث عن تطبيقات الجزاء الإجرائي للدفوع الشكلية.
من خلال هذه الدراسة سعى الباحث إلى محاولة إزالة الغموض وإعطاء الخطوط العريضة والأسس التي يمكن اعتمادها لفهم الدفوع الشكلية وتحديد خصوصياتها وشروطها حتى يتمكن من يتمسك بهذه الدفوع من قرع سمع المحكمة والاستفادة من الآثار المترتبة عنها.
كما تم الوقوف على ظاهرة ضم الدفوع الشكلية إلى الجوهر: وهي ظاهرة عامة على مستوى العمل القضائي المغربي. فضم الدفوع الشكلية إلى الموضوع يبقى توجها غير صحيح لأنه يشوه الغاية التي من أجلها سن المشرع وسائل الدفاع المسطرية، ففعالية الدفع الشكلي ترتبط بالفورية واعتبار تأجيل البت في الدفوع استثناءا وتعليقه على صدور قرار معلل.
وتم كذلك تسجيل ظاهرة انعدام الرد على الدفوع الشكلية، فالرد أو الجواب الناقص عن وسائل الدفاع يوازي عدم الرد فكثيرا ما يرد الدفع الشكلي على صاحبه ويكون مصيره عدم القبول أو الرفض دون تعليل أو تبرير.
وتم أيضا تبيان موقف المشرع المتضارب بين ترتيب الجزاء القانوني على بعض الاختلالات المسطرية وبين السكوت وعدم ترتيب الجزاء القانوني على خروقات أخرى، وحتى في حالة ترتيب الجزاء القانوني تختلف الألفاظ المستعملة فأحيانا يستعمل لفظ البطلان وأحيانا أخرى يستعمل لفظ كأن لم ينجز.
كما اتضح من خلال هذه الدراسة أن نظرية البطلان هي المؤسسة القانونية الجديرة بتحقيق التوازن بين مصلحة المجتمع في حماية أمنه واستقراره وحماية المتهم من تعسف بعض سلطات الدولة وانتهاك حقوقه وضماناته التي كفلتها أحكام المسطرة الجنائية بشكل خاص ومختلف القوانين بشكل عام في سبيل حصوله على محاكمة عادلة.
بالإضافة إلى ذلك تمت ملاحظة عدم التنصيص على ضرورة الطعن صراحة في القرار الصادر في شأن الدفع: حيث نصت المسطرة على أن حق الطعن يبقى محفوظا ليستعمل في آن واحد مع الطعن في الحكم الذي يصدر في جوهر الدعوى وهذا إجراء عملي ولكن هل يجب على الطاعن أن يصرح على أن يستأنف الحكم البات الصادر في جوهر الدعوى بتاريخ معين كما يستأنف في نفس الوقت القرار الصادر في شأن الدفع الشكلي أو المسألة الأولية التي آثارها والصادر بدوره في تاريخ محدد.
كما أن هذه الدراسة وقفت على كون المشرع المغربي لم ينظم نظرية عامة للبطلان بل اقتصر على إيجاد نصوص خاصة بكل مرحلة على حدة , وهو ما لم يكن موفقا في هذا التنظيم.
ومن أجل المساهمة في حل أزمة الدفوع الشكلية وأثرها في الدعوى العمومية فقد اقترح الباحث بعض التوجيهات والإقتراحات التي قد تساعد المشرع المغربي والمهتمين بالمجال الإجرائي وهي، فيما يتعلق بالإجرءات العامة: أن يضع المشرع قانونا مسطريا للتأسيس لنظام قانوني إجرائي محكم للدفوع الشكلية من خلال لم شمل بعض المواد المتناثرة هنا وهناك، حتى تساهم أكثر في ضمان المحاكمة العادلة وتحترم فيها حقوق الدفاع بالدرجة الأولى وتصان كرامة المتهم وتضمن عدم إفلات أي متهم من العقاب وهذه هي الغاية المتوخاة من العدالة الجنائية الحديثة؛ وضع نظرية عامة للبطلان عن طريق تضمين ق.م.ج نصوصا عامة تهم جميع مراحل الدعوى العمومية، بالإضافة إلى نصوص خاصة في كل مرحلة من مراحل الدعوى على حدة كما هو منصوص عليه بالنسبة لمرحلة التحقيق الإعدادي.
أما فيما يخص الإقتراحات الخاصة، فيرى الباحث بأنه يتعين على المشرع التدخل لإعادة النظر في مقتضيات المادة 323 من ق.م.ج، وذلك بجعل الدفوع الشكلية المتعلقة بالنظام العام يمكن إثارتها في جميع مراحل التقاضي ولو لأول مرة أمام محكمة النقض حتى لا يطالها السقوط بمجرد فوات آوانها وإلزام المحكمة بضرورة الرد على الدفوع الشكلية فورا دون ضمها إلى الجوهر.
كما دعا إلى ضرورة تبني صياغة قانونية واضحة ومدققة يحدد فيها الجزاء القانوني لكل حالة وعدم الاكتفاء بالإشارة إلى نص عام يرتب الجزاء من الاختلالات الشكلية والمسطرية؛ مع العمل على الحد من الجدل الذي يثيره عدم ترتيب الجزاء على العديد من الإجراءات المسطرية المنصوص عليها في ق.م.ج والتي تعد من أهم مظاهر المحاكمة العادلة.
ولم يفوت الباحث الفرصة للدعوة إلى التنصيص صراحة على الآثار التي تترتب عن كل مقرر صادر ببطلان مسطرة معينة وتحديدها بشكل دقيق لكون قانون المسطرة الجنائية مرتبط ارتباطا وثيقا بحريات الأفراد.
وخلص الباحث في الأخير إلى ضرورة إيجاد موسوعة جنائية تضم و توحد العمل القضائي بمختلف محاكم المملكة بخصوص الاجراءات الجنائية التى يشوبها عيب، حتى يتم ايجاد حل لتضارب آراء المحاكم .