Partager sur :

المشهد السياسي في كلميم ، بين الوعود الانتخابية والتهميش الحقيقي

 عادة ما  تكون مداخلات السياسيين أمام الجماهير حماسية اكثر بل تبالغ فيها إلى أقصى المستويات، تمتزج فيها العاطفة بالحقيقة، وتقود الحماسة اللسان إلى قول أشياء غير واقعية، ولا يمكن للعقل أن يصدقها.  لهذا لم يعد المغاربة يثقون في كلام السياسيين وخاصة منهم الوزراء، مهما بالغوا في التمثيل والمسرحة من اجل التأثير على الناس. .لاسيما في ظل هذه الحكومة التي أرهقت المواطنين بجميع فئاتهم بنيران توجهاتها الاقتصادية والاجتماعية الكارثية ، بسبب الأسعار الحارقة وغلاء المعيشة وانتشار البطالة واليأس في صفوف الشباب والنساء وانسداد الأفق أمام الطبقة الوسطى ، وطغيان كمشة من الشركات الكبرى على كل الموارد والفرص وهيمنتها على الاستثمارات العمومية والخاصة، وانتشار ظاهرة تضارب المصالح، وضبابية العلاقة بين السياسة والمال والاقتصاد، مما جعل رقعة الفساد تتمدد في شرايين الدولة والمجتمع والاستثمار ....

مادام ان هذه الحكومة تفتقد إلى الهوية السياسية والوضوح الأيديولوجي وانعدام لفرشة فكرية وتكوين سياسي لأهم اعضائها ووزرائها ، حيث ينكشف الفقر المعرفي والسياسي والفكري والعمق الأيديولوجي في الوهلة الأولى التي يبدأ فيها احد الوزراء /ت بالكلام مع الشعب او مع وسائل الإعلام، مما جعلهم يختارون الصمت درءا للمزيد من القلاقل والمشاكل...

كما يقود هذا الضعف السياسي للنخبة السياسية التي تشرف على قطاعات حكومية وازنة ، وأغلبها قادم من أوساط الظل التيقنوقراطي وموظفي القطاع الخاص، يقودهم الضعف السياسي إلى الاحتماء وراء الأرقام ...فالتيقنوقراطي الذي يعاني من ضعف التكوين السياسي والذي لا يتدرج داخل التنظيمات المجتمعية والحزبية والفاقد للخبرة والتجربة النضالية التي هي أساس كل عمل حزبي وسياسي ، يحتمي وراء "قوة الرقم" والدراسات التقنية التي ينتجها مكاتب الدراسات التي تقوم بتحليل البيانات والمعطيات، تفتقر في الغالب إلى الدقة والموضوعية ...

في هذا الصدد، أثارتني مداخلة وزيرة المالية والاقتصاد بالخيمة التي نظمها حزبها داخل الواحة الرياضية بمدينة أگلميم يوم السبت الماضي، قالت من جملة ما قالته "أن نسبة النمو ارتفعت في جهة كلميم وادنون إلى 5,5 %سنويا وهي اعلى من نسبة النمو الوطني وهي 3,6% ...وذلك بفضل ارتفاع الاستثمارات والإنجازات بالجهة التي كان لها وقع على نسبة النمو".

قد تكون هذه الأرقام صحيحة واستقتها السيدة الوزيرة من مصادر رسمية، ونحن لا نكذبها بطبيعة الحال، لكن نود الإشارة إلى ان هذه الأرقام هي خدعة تحمل مكرا سياسيا ...
فلا اعتقد ان الحضور الذي جاء ليستمع للسيدة الوزيرة من جبال إمجاض وآيت رخا ولاخصاص وايت باعمران وواحات أسا الزاك وتغجيجت وسفوح إفران الأطلس الصغير وأحياء طانطان المهمشة  يعرفون ويفهمون كلام السيدة الوزيرة حول نسبة النمو الجهوي والوطني وعلاقته بالاستثمارات ...هذا كلام يفهمه فقط الخبراء في الاقتصاد والمالية ، فكان الأحرى ان تتحدث السيدة الوزيرة عن هموم الناس التي يعانون منها كالفقر وغلاء المعيشة وكيف يمكن تطوير القدرات الاقتصاد للساكنة المحلية  والجهوية وكيف يمكن مساعدة المستثمرين الصغار والمقاولات الصغرى في الجهة لتجاوز مشاكلها المعقدة، وإمكانية استفادة المقاولون الصغار من التحفيزات الضريبية لتشجعهم في الصمود والبقاء والمساهمة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية المحلية والجهوية على غرار استفادة كبار مستوردي الماشية من الدعم الحكومي والتسهيلات الضريبية وتمكنوا بفضلها في مراكمة أرباح طائلة بدون ان يساهموا في انخفاض أسعار اللحوم ولا أسعار اضاحي العيد...

ومادام ان السيدة الوزيرة أشارت إلى ارتفاع نسبة النمو في  جهة گلميم وادنون، نود تذكيرها بإحصائيات أخرى رسمية لا تقل أهمية في الوقع والتأثير عن ارقام السيدة الوزيرة، وهي ارقام فصحت عنها مندوبية التخطيط وهي الأقرب إلى الحقيقة لأنها تنسجم مع الواقع المر الذي تعيشه ساكنة جهة كلميم وادنون..

الرقم الأول هو :  ارتفاع معدل البطالة في جهة كلميم وادنون سنة 2024 حسب ما أكدته مندوبية التخطيط، والذي وصل 31,5%  وهو المعدل  الأعلى على المستوى الوطني ، وهذا معناه ان البطالة تنتشر اكثر في هذه الجهة على المستوى الوطني ككل..

الرقم الثاني : هو ارتفاع معدل الفقر في جهة گلميم وادنون حسب احصائيات مندوبية التخطيط دائما حيث وصل إلى 7,6 وهو الرقم الثاني على المستوى الوطني بعد جهة فاس مكناس.

علماء وخبراء الاقتصاد يؤكدون جميعا على وجود علاقة عكسية بين معدل النمو الاقتصادي ومعدل البطالة ، فلا يمكن لمعدل النمو ان يرتفع دون ان تنخفض نسبة البطالة، كما توجد علاقة جدلية بين ارتفاع نسبة البطالة مع انتشار الفقر ...

سنعتبر أن ارقام السيدة الوزيرة صحيحة، فما فائدة ارتفاع نسبة النمو إذا لم يقض على البطالة وما فائدة ارقام النمو للسيدة الوزيرة إذا لم يتراجع الفقر ...
لذلك، وجب على وزيرة الاقتصاد والمالية قبل ان تتحدث عن نسبة النمو، أن تعلم أنها تتكلم أمام ساكنة جهة الأكثر بطالة في المغرب والأكثر فقرا على المستوى الوطني، وهذا حسب ما تؤكده مندوبية التخطيط التي يترأسها السيد شكيب بنموسى الوزير السابق في الحكومة الحالية باسم نفس حزب السيدة  الوزيرة .
إذا تركنا تصريحات الوزيرة وأرقام مندوبية التخطيط ، فما الذي يقوله الواقع ؟

الواقع يقول ان جهة گلميم فعلا تعاني من تردي واضح للخدمات الاجتماعية العمومية وغياب فرص الشغل وانتشار البطالة وهيمنة البطالة  وانسداد الأفق ، لذلك تعتبر وادنون من بين الجهات الأكثر طردا للساكنة بفعل هجرة ساكناتها إلى باقي المدن بحثا عن الشغل، في مدينة أگلميم وهي عاصمة الجهة لا يوجد ولو معمل واحد او مصنع واحد يمتص نسبة البطالة المرتفعة ، فهي مدينة ليس فيها حي صناعي ولا توجد فيها الشركات والمقاولات الكبرى وليست مدينة فلاحية ولا إنتاجية لأي شيء ...ثاني اقليم  حسب عدد السكان هو سيدي إفني هو الآخر لا يوجد فيه لا معمل ولا مصنع ولا شركة بالرغم من توفره على ميناء مهم، لكن لا توجد فيها معامل تستطيع امتصاص نسبة البطالة المتزايدة في المدينة والإقليم، كان هناك حديث عن بناء معمل في الميناء لكن للأسف ظهر ان ذلك كان خدعة انتخابية فقط...في افني يوجد حي صناعي لكن هو الوحيد في المغرب والعالم الذي لا يتواجد به أي معمل ولا اي مصنع...إذن أين سيأتي النمو الاقتصادي ؟ في طانطان صحيح توجد بعض معامل السردين لكنها تكرس الهشاشة الاقتصادية و الاجتماعية في صفوف النساء العاملات داخل هذه المعامل، وتبقى الحصة الكبرى من موارد الأسماك في طانطان وافني يتم شحنها ونقلها إلى معامل اكادير او آسفي او تصدر خاما إلى الخارج من البواخر الكبرى في اتجاه الأسواق العالمية بدون ان تساهم في الدينامية الاقتصادية والاجتماعية بالجهة...

من مظاهر ارتفاع البطالة وانتشار الفقر في جهة گلميم وادنون :
 

- ارتفاع نسبة الهجرة السرية في صفوف الشباب والنساء والقاصرين نحو الجزر الكناري عبر قوارب الموت

 

- ارتفاع نسبة الهجرة القروية من أقاليم وبوادي الجهة نحو مدن الصحراء ومدن الداخل أو إلى عاصمة الجهة بسبب انتشار الفقر في البوادي بسبب الجفاف وانعدام الماء وقلة الخدمات وانقراض الصبار الذي كان يعيل آلاف الأسر خاصة في اقليم سيدي افني ؛

 

تنقل اغلب ساكنة اقليم سيدي افني خاصة النساء للاشتغال اليومي في الضبعات الفلاحية في منطقة أشتوكن التابعة لجهة سوس ماست ؛

- انتشار تجارة المخدرات بشكل كبير في الجهة تجارة واستهلاكا   داخل صفوف الشباب، خاصة في الشريط الساحلي للجهة وخلفيتها الحدودية..وما يصاحب ذلك من مشاكل كثيرة من ارتفاع وثيرة الجريمة وانتشار التهريب والممنوعات وغيرها ..

 

فالنمو الوحيد الذي يلامسه المواطنين في جهة كلميم وادنون هو نمو الفقر والبطالة ونمو الهجرة السرية ونمو الفساد المالي والسياسي ...

Langue
Arabe
Région
Guelmim - Oued Noun
Partager sur :