Partager sur :

الشباب والعمل السياسي: رهان الحاضر وصُنّاع المستقبل

أسامة الساخي

يمثل الشباب ركيزة أساسية لأي مجتمع ينشد التنمية والاستقرار، فهم طاقة متجددة وأمل تتعكز عليه الأوطان في بناء حاضرها واستشراف مستقبلها. وفي السياق السياسي، لا يختلف الأمر كثيرًا، إذ إن إشراك الشباب في العمل السياسي يُعدّ ضرورة ملحّة، وليس مجرد خيار تكميلي. غير أن الواقع يُظهر أن العلاقة بين الشباب والسياسة لا تزال متوترة في العديد من الدول، خاصة في المجتمعات النامية، حيث تتجلى مظاهر العزوف، والتهميش، وفقدان الثقة في المؤسسات.

أولا . أهمية انخراط الشباب في العمل السياسي
1. ضمان استمرارية الحياة الديمقراطية
مشاركة الشباب في السياسة تعني إدخال دماء جديدة في المشهد السياسي، وتكريس مبدأ التداول على السلطة. كما أنهم يحملون رؤى وتجارب معاصرة تتماشى مع تحولات العصر.
2. تحقيق التوازن بين الأجيال
حضور الشباب في مراكز القرار يُسهم في تحقيق توازن صحي بين الأجيال، ويُساعد على تجديد السياسات العمومية بما يراعي تطلعات فئة واسعة من المجتمع.
3. مكافحة التطرف والانحراف
الانخراط في العمل السياسي المؤسساتي يُعد من بين الحلول الواقعية لاحتواء طاقات الشباب، وتوجيهها نحو قنوات بناءة، مما يقلل من خطر الانجراف نحو التطرف أو العنف.

ثانيا. مظاهر العزوف السياسي لدى الشباب

رغم أهمية دورهم، يلاحظ أن نسبة كبيرة من الشباب في العالم العربي، وفي دول مثل المغرب، لا يشاركون في الانتخابات، ولا ينخرطون في الأحزاب السياسية أو النقابات، ومن أبرز أسباب هذا العزوف:
1. فقدان الثقة في النخب السياسية
يتهم كثير من الشباب الطبقة السياسية بالفساد أو بالعجز عن التغيير، مما يدفعهم إلى تبني موقف سلبي من السياسة برمتها.
2. غياب التكوين السياسي الحقيقي
تعاني المنظومة التعليمية من ضعف في ترسيخ مبادئ المواطنة السياسية والوعي الحقوقي، مما يجعل الشباب يجهلون أهمية مشاركتهم في الفعل السياسي.
3. التهميش داخل الأحزاب
حتى عندما ينخرط الشباب في الأحزاب، فإنهم كثيرًا ما يُوضعون في مواقع هامشية، دون تمكينهم من أدوار قيادية حقيقية، ما يخلق الإحباط ويدفعهم للانسحاب.
4. الواقع الاقتصادي والاجتماعي
البطالة، غلاء المعيشة، وصعوبات الاندماج في سوق الشغل تُقلل من اهتمام الشباب بالقضايا السياسية، إذ إن أولويتهم تصبح البقاء لا التغيير السياسي.

ثالثا. كيف يمكن تعزيز مشاركة الشباب في العمل السياسي؟
1. إصلاح المنظومة الحزبية
ينبغي على الأحزاب السياسية أن تنفتح على الكفاءات الشابة، وتُوفر لها فضاءات للتعبير الحر والممارسة السياسية الحقيقية، وتكسر الحواجز التي تحول دون صعودها.
2. دعم التكوين والتثقيف السياسي
عبر برامج تربوية، وورشات تكوينية، وندوات شبابية، يتم تعزيز وعي الشباب بالحقوق والواجبات السياسية، وتشجيعهم على المشاركة الفاعلة.
3. تمكين الشباب داخل مؤسسات القرار
سواء من خلال تخصيص نسب من المقاعد للشباب داخل المجالس المنتخبة، أو عبر إشراكهم في بلورة السياسات العمومية، فإن التمكين المؤسساتي يبعث رسائل إيجابية.
4. الاستفادة من التكنولوجيا ووسائل التواصل
بما أن الشباب يتواجدون بكثافة على المنصات الرقمية، فإن استخدامها في توجيه رسائل سياسية هادفة وتحفيزهم على النقاش العمومي، يُعد وسيلة فعّالة.

رابعا.تجارب شبابية ملهمة

شهدت العديد من الدول بروز شخصيات سياسية شابة لعبت أدوارًا مهمة في التغيير السياسي، مثلما حدث في بعض الدول الأوروبية، وأيضًا في السياق المغربي حيث بدأت تظهر مبادرات شبابية تحاول خلق مساحات بديلة، من خلال جمعيات مدنية، أو حركات سياسية مستقلة، أو مبادرات تكنولوجية للمشاركة في صنع القرار.

وفي الختام الشباب ليسوا فقط مستقبل الأمة، بل هم حاضرها أيضًا. وتفعيل دورهم في الحياة السياسية ضرورة استراتيجية تفرض نفسها اليوم أكثر من أي وقت مضى. إن تجاوز الحواجز التي تعيق انخراطهم يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وتحولًا ثقافيًا ومؤسساتيًا عميقًا. فالرهان على الشباب هو رهان على التجديد، وعلى بناء مجتمعات أكثر عدالة، وشفافية، وابتكارًا.

Langue
Arabe
Région
Souss - Massa
Partager sur :