الطالبة الباحثة سلوى المسعودي تحصل على الدكتوراه في القانون بدرجة مشرف جدا مع التوصية بالطبع وإشادة اللجنة عن أطروحتها "تحديات العدالة الجنائية الحديثة لمواجهة جنوح الأحداث"
هشام التواتي
بعد مناقشة مستفيضة امتدت لساعات من قبل لجنة علمية ضمت في ثناياها أساتذة وخبراء من العيار الثقيل في مجال القانون، من بينهم: الأستاذ محمد بوزلافة مشرفا ورئيسا، الأستاذ نور الدين العمراني عضوا، الأستاذ كريم متقي عضوا، الأستاذة نادية حموتي عضوا، الأستاذ محمد ازهيري عضوا، والأستاذ أعزان مقررا، اختلت اللجنة للمداولة لتعلن بعدها وبإجماع أعضائها قبول أطروحة الطالبة الباحثة سلوى المسعودي ومنحتها على إثر ذلك الدكتوراه في الحقوق بميزة مشرف جدا مع التوصية بالطبع وتنويه لجنة المناقشة وذلك عن أطروحتها لنيل الدكتوراه في القانون الخاص في موضوع: تحديات العدالة الجنائية الحديثة لمواجهة جنوح الأحداث.
وهكذا، حسب ماعاينته جريدة Maglor.fr التي تابعت أطوار المناقشة من بدايتها إلى نهايتها، فقد انطلقت الطالبة الباحثة من مبدأ كون العدالة الجنائية جزء من العدالة ككل، وذلك باعتبارها هي التي تطبق سياسة الدولة الجنائية، فتبلورها في شكل قواعد قانونية زاجرة لحماية مصالح الدولة من جهة، ومصالح الأفراد والمجتمع من جهة ثانية.
ومن هذا المنطلق، اعتبرت الباحثة بأن للأطفال نصيب في تحقيق العدالة في المجتمعات، حيث ينبع ذلك من كونهم المستقبل الواعد بالخير للمجتمع وضمان استقراره، لذا فقد اتجهت، في رأيها، أغلب التشريعات الجنائية إلى اعتماد أحكام خاصة بالأحداث تخضعهم بمقتضاها لمعاملة خاصة يكون هدفها النهائي إصلاحهم وتقويم سلوكهم بمراعاة مبادئ المحاكمة العادلة.
إن نظام العدالة الجنائية الفعال والمنصف، حسب الباحثة، هو الذي يحترم الحقوق الإنسانية للمشتبه به والجاني فضلا عن الحقوق الأساسية، وإذا كان الطفل في مواجهة نظام العدالة الجنائية ضحية أو شاهد أو في نزاع مع القانون، فيصبح هذا النظام ذو طابع خاص؛ لأن الطفل يختلف عن الراشد في نموه البدني والنفسي وفي حاجاته العاطفية والتعليمية وتشكل هذه الفوارق وغيرها الأساس الذي يقوم عليه قضاء الأحداث.
ففي نظر الطالبة الباحثة، فإن أهمية هذه الدراسة ترجع لعدة اعتبارات، منها ما أثاره الموضوع في الآونة الأخيرة من اهتمام دولي ووطني، وكذا اهتمام كل الفاعلين بمختلف اتجاهاتهم الحقوقية الاجتماعية والقانونية، وهذا يظهر، تضيف الباحثة، من خلال الجهود الحالية التي ينفذها القضاء من أجل الوصول إلى عدالة جنائية للأحداث الجانحين عوض عدالة تقليدية ترتكز على ملاحقة الحدث الجانح، وذلك انطلاقا من أن العدالة الحديثة هي التي تهتم بالمتهم إلى جانب اهتمامها بالضحية.
إن دراسة موضوع تحديات العدالة الجنائية الحديثة لمواجهة جنوح الأحداث، بالنسبة للباحثة، تطلب منها الإحاطة بمختلف الإجراءات والضمانات التي وفرها المشرع المغربي للحدث الجانح في مختلف مراحل الدعوى، وفي نفس الوقت العمل على إبراز أهم المعيقات التي تحد من تفعيل هذه الضمانات الخاصة بالحدث.
ومن هنا بلورت الباحثة الإشكالية الرئيسية التي انطلقت منها وهي : إلى أي حد استطاع المشرع المغربي تحقيق عدالة جنائية حديثة لمواجهة جنوح الأحداث؟
إن الإجابة على إشكالية البحث فرض على الطالبة الباحثة التطرق للموضوع، من خلال بابين كبيرين، كل باب قسمته إلى فصلين في إطار منهجي يستجيب ويراعي التوازن المطلوب بشكل يخدم الإشكالية التي سبق التطرق إليها.
وهكذا، فقد قسمت الباحثة الموضوع إلى بابين :
• الباب الأول : خيارات العدالة الجنائية للأحداث
• الفصل الأول: السياق القانوني للعدالة الجنائية للأحداث
• الفصل الثاني: معيقات العدالة الجنائية للأحداث
• الباب الثاني: ضرورة اعتماد عدالة مستحدثة للأحداث
• الفصل الأول: التوجهات الحديثة المندمجة لحماية الحدث الجانح
• الفصل الثاني: آفاق تحديث العدالة الجنائية للأحداث
إن العدالة الجنائية للأحداث تعد، في نظر الباحثة، من بين أعقد القضايا التي اشتغلت بها السياسات الجنائية في مختلف الدول والديمقراطيات، فأحكامها رغم معالجتها في الشريعة الإسلامية والمعايير الدولية والتي اشتملت على الكثير من أحكام حقوق الإنسان المتصلة بشؤون قضاء الأحداث، ومن بينها اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل ، قواعد الأمم المتحدة النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث ( قواعد بكين )، ومبادئ الأمم المتحدة بشان حماية الأحداث المجردين من حريتهم ، مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية لمنع جنوح الأحداث ( مبادئ الرياض التوجيهية ) وما كرسه كذلك المشرع المغربي في دستور فاتح يوليوز 2011 أو من خلال السياسات الجنائية في هذا المجال، إلا أنها لازالت تعاني من معيقات قانونية، قضائية ومؤسساتية تجعل القضاء يحول دون أدائه للمهام المنوطة به على أتم وأكمل وجه.
وتتجلى أهم نتائج البحث التي توصلت إليها الطالبة الباحثة في غياب نص قانوني ينظم الإجراءات المتعلقة بالتحقيق في هوية الحدث ، والتي تعتبر من بين أهم الإجراءات المخولة لضابط الشرطة المكلف بالأحداث مما يحتم عليه الاهتداء بالقواعد العامة المطبقة على الرشداء في هذا المجال، والتي تختلف جوهرا وغاية عن القواعد الخاصة بالأحداث ، ذلك أن تطبيق القواعد العامة على الأحداث من شأنها أن تؤدي إلى نتائج وخيمة تنعكس سلبا على مستقبل الحدث في باقي مراحل الدعوى العمومية وبعدها، وكذا غياب التخصص الفعلي لضابط الشرطة القضائية، وكذا عدم وجود أقسام خاصة بالأحداث مستقلة عن تلك المخصصة للرشداء، كلها عوامل يمكن أن تؤدي بالحدث إلى الارتباك وبالتالي الإدلاء بتصريحات من شأنها أن توجه الحكم ضده أثناء المحاكمة.
هذا ناهيك عن عدم تخصص قاضي الأحداث أو المستشار المكلف بالنظر في قضايا الأحداث الجانحين و بالتالي فمهمة قاضي الأحداث في التشريع المغربي تمارس على سبيل التكليف و ليس على أساس التخصص مما يمس بشكل مباشر بالمصلحة الفضلى للحدث الجانح.
إضافة إلى عدم إشراك استشاريين في العلوم المساعدة للقانون الجنائي كعلم النفس و علم الاجتماع و علوم التربية إلى جانب قاضي الأحداث .
كما أن محدودية المؤسسات الإصلاحية في إنجاح العملية العلاجية التأهيلية بسبب مجموعة من العوامل، في نظر الطالبة الباحثة، تعيق جهاز عدالة الأحداث عن تحقيق الأهداف التي أنشا من أجلها.
إن الأخذ بمنظومة العدالة الجنائية للأحداث،حسب الطالبة الباحثة، يترتب عليه إحداث تغيير ونقلة نوعية في الثقافة المجتمعية السائدة، الأمر الذي يحث على إحداث تغيير في سلوكيات المجتمع بشكل عام، والعاملين في ميدان عدالة الأحداث بشكل خاص، وهذا يتطلب تحديث وتطوير في التشريعات والإعداد الفعال لمشاريع القوانين بما يتناسب ومنظومة العدالة الحديثة، بالإضافة إلى التطبيق الفعال لاستراتيجيات عدالة الأحداث بشكل يلقي بضلاله على أرض الواقع .
وتأسيسا على ذلك عرضت الطالبة الباحثة مجموعة من الاقتراحات تجلت في: تبني سياسة جنائية حديثة من خلال خلق مدونة قانون الطفل يخرج الحدث من إطار القانون العقابي وإجراءاته الجنائية العادية. وكذا إنشاء محاكم متخصصة للنظر في قضايا الأحداث دون غيرهم على غرار مجموعة من التشريعات المقارنة ببناية مستقلة بعيدة عن المحاكم العادية مؤلفة من قضاة متفرغين لهذه المهمة. إضافة إلى تعزيز الموارد البشرية المكلفة بالأحداث كضباط الشرطة المختصين، وهذا من شأنه أن يساعد قاضي الأحداث للبت في القضايا دون إكراهات، وفي مختلف الإجراءات المتعلقة بذلك.
كما دعت إلى تفعيل أساليب الرعاية اللاحقة للحدث لاستكمال عملية الإصلاح والمحافظة على النتائج الايجابية التي تم التوصل لها في تأهيله، مع ضرورة الانفتاح على التجارب الدولية حتى يتسنى الاستفادة من الخبرات والتجارب التي تتم عبرها معالجة ظاهرة الجنوح. ذلك أن ما يعرفه العالم من تطور لبعض أشكال الإصلاح، في نظر الباحثة، يزكي ضرورة الانفتاح والتنسيق على المستوى الدولي. كما دعت الباحثة إلى العمل على تعزيز دور مؤسسة الوساطة والعدالة التصالحية باعتبارهما من أهم الآليات التي سعت معظم الدول لتكريسها لفائدة الأحداث الجانحين في صراع مع القانون، أو المتواجدين بمراكز التهذيب والإصلاح، مع ضرورة القيام برصد أسباب انحراف الأحداث ، ووضع خطط عمل فورية وفعالة قادرة على العمل بشكل وقائي واستباقي بحيث يمكن لها أن تمنع انحراف الأحداث في المستقبل قدر الإمكان.
ودعت الباحثة إلى نهج مقاربة تشاركية من خلال قيام كل من الأسرة والمدرسة بمحاربة الجنوح، فالأسرة تعتبر نقطة البداية ونواة المجتمع، إلى جانبها نجد المدرسة كنواة ثانية تسعى لتثمين هذه الجهود، ولها دور في محاربة جنوح الأحداث.