
في أجواء احتفالية متميزة، ووفاءً لروح المبادرة الملكية السامية التي أطلقها جلالة الملك محمد السادس نصره الله في 18 ماي 2005، أشرف السيد إسماعيل أبو الحقوق، عامل عمالة إنزكان أيت ملول، بصفته رئيس اللجنة الإقليمية للتنمية البشرية، صباح يوم الإثنين 19 ماي 2025، على فعاليات الاحتفال الرسمي بالذكرى العشرين لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تحت شعار: “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية: 20 سنة في خدمة التنمية البشرية.”
وقد جرت أطوار هذا الحدث المتميز بقاعة الاجتماعات الكبرى بمقر العمالة، بحضور السادة أعضاء اللجنة الإقليمية، و السادة رؤساء المصالح الخارجية و الأمنية، و السادة رؤساء الجماعات الترابية، وممثلي جمعيات المجتمع المدني، وشركاء المبادرة، إلى جانب ثلة من الفاعلين المحليين والجهويين، وممثلي وسائل الإعلام.
استُهل البرنامج الرسمي لاستحضار هذا الحدث الوطني، باستقبال المدعوين وتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم، تلاه عزف النشيد الوطني، ثم ألقى السيد العامل كلمة توجيهية استعرض فيها حصيلة المبادرة خلال عشرين سنة من العمل الميداني، مبرزًا الأهداف النبيلة التي رسمها جلالة الملك منذ انطلاق المبادرة سنة 2005، والتي تجسدت على أرض الواقع من خلال برامج ومشاريع نوعية شملت جميع الفئات المستهدفة، وعلى رأسها الشباب، والنساء، والأشخاص في وضعية هشاشة، والتلاميذ المنحدرون من أسر معوزة.
و في كلمته بالمناسبة، أكد السيد العامل في أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عبر مراحلها الثلاث 2005-2010 و 2011-2018 و 2019-2025 عملت على اعتماد استراتيجية تروم في المرحلة الأولى والثانية الاشتغال على سد الخصاص المسجل على مستوى البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية وبنايات الاستقبال من خلال إنجاز عدد مهم من المشاريع تهدف محاربة الإقصاء الاجتماعي بالأحياء الناقصة التجهيز ، ومحاربة الهشاشة ، والإدماج السوسيو اقتصادي ، وإنجاز عمليات ذات الوقع القوي على الأحياء والمجالات القروية التي تعرف خصاصا حادا ، في إطار مقاربة تشاركية وانخراط مختلف المتدخلين والفاعلين ، عملا بمنهجية الإلتقائية لتنسيق برامج المبادرة و البرامج التنموية والبرامج القطاعية.
و أبرز في ذات السياق أن حصيلة المكتسبات المحققة تتجلى في ظل أجرأة هذا المشروع المجتمعي الطموح على مستوى هذه العمالة خلال 20 سنة الماضية على تطور مجموعة من المؤشرات القيمية والكمية ، والتي تعكسها تحسين ظروف عيش الساكنة المستهدفة وخاصة الفئات الأكثر هشاشة ، والتي كانت للعمليات الموجهة لفائدتها أثر إيجابي ووقع قوي . حيث شمل تدخل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على وجه الخصوص دعم البنيات التحتية والتجهيزات الاجتماعية الأساسية كالصحة والتعليم والرياضة والثقافة ، وبنايات الاستقبال الاجتماعية ، والإدماج السوسيو- اقتصادي من خلال إحداث أسواق نموذجية لايواء الباعة المتجولين وخلق أنشطة مدرة للدخل لفائدة السجناء السابقين.
و في ختام كلمته، جدد السيد العامل دعوته لجميع المتدخلين والفاعلين من سلطات عمومية ، وهيئات منتخبة وكل الفعاليات الاقتصادية وهيئات المجتمع المدني التي انخرطت في هذا الورش المجتمعي على مواصلة العمل بنفس التعبئة والابتكار لتعزيز هذه المكتسبات وتوجيهها لبلوغ الأهداف النبيلة والخلاقة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، وترسيخ قيمها ومبادئها الفضلى خدمة لرعايا صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره اللّٰه وأيده.
و شكل الحفل مناسبة لتقديم عرض شامل لحصيلة إنجازات ومكتسبات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على صعيد الإقليم، منذ انطلاقتها إلى اليوم، حيث استهل بالتذكير بمضامين الخطاب الملكي السامي الذي أعلن فيه جلالة الملك عن إطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005، حيث اعتبرها “ورشًا مفتوحًا باستمرار”، و”سياسة خلاقة تجمع بين الطموح والواقعية والفعالية”. كما تم التأكيد على المبادئ الخمسة المؤسسة لهذا الورش: القرب، التشاور، الشراكة، التعاقد، والشفافية.
و في هذا الإطار، عرفت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ انطلاقتها ثلاث مراحل متكاملة:
1. المرحلة الأولى (2005-2010): تميزت بإطلاق برامج أفقية وموجهة لمحاربة الإقصاء الاجتماعي والهشاشة، وارتكزت على تشييد مشاريع اجتماعية كبرى، من أبرزها القطب الاجتماعي التكافلي بعمالة إنزكان أيت ملول، الذي حظي بتدشين ملكي سنة 2009.
2. المرحلة الثانية (2011-2018): شهدت توسيعًا في نطاق التدخلات وارتفاعًا ملحوظًا في التمويلات المخصصة، حيث بلغت الزيادة ما يفوق 125 مليون درهم مقارنة بالمرحلة السابقة. وتم تسجيل قفزة نوعية في عدد المشاريع، لاسيما في البنيات التحتية الرياضية والاجتماعية، حيث ارتفع عدد الملاعب من 3 إلى 29.
3. المرحلة الثالثة (2019-2025): جاءت هذه المرحلة لترسيخ المكتسبات وتطوير التدخلات في مجالات الصحة، التعليم، التمكين الاقتصادي، والتأهيل المهني، من خلال اعتماد منهجية جديدة تركز على المواكبة الفردية ودعم قدرات الفئات المستهدفة.
كما تميزت حصيلة المبادرة خلال السنوات الأخيرة بتحقيق إنجازات من خلال إعطاء إنطلاقة لمجموعة من البرامج النوعية تجلت في:
• قطاع التعليم: عبر تعزيز تعميم التعليم الأولي بإنشاء 32 وحدة تعليمية، ودعم برنامج “مليون محفظة”، إلى جانب محاربة الهدر المدرسي في الوسطين الحضري والقروي.
• قطاع الصحة: تم تحقيق انخفاض معدل وفيات الأمهات بنسبة 35% خلال العقد الأخير، بفضل برامج العناية بالأم والطفل، وتأهيل مراكز صحية كبرى بالعمالة، مثل مركز التمسي للولادة والمركز الإقليمي لإعادة التأهيل الوظيفي.
• في مجال الإعاقة: تم إنشاء 11 مركزًا متخصصًا لفائدة الأشخاص في وضعية إعاقة، تقدم خدمات تربوية، طبية واجتماعية، وتستهدف ما يفوق 1300 مستفيد بمختلف الجماعات الترابية.
• في مجال التمكين الاقتصادي والتشغيل: تم إحداث منصتين للشباب بكل من أركانة (أيت ملول) والأمل (الدشيرة الجهادية)، استفاد من خدماتهما أزيد من 4000 شاب وشابة. كما تم إطلاق برنامج دعم المقاولة لدى الشباب وبرنامج إعادة تأهيل الباعة المتجولين.
و عملت المبادرة على تنزيل الجهاز الترابي المندمج لحماية الطفولة بإنزكان أيت ملول، من خلال إحداث المركز الاجتماعي لحماية الطفولة في وضعية صعبة بحي الرمل، ومركز للمواكبة ومصلحة للمساعدة الاجتماعية المتنقلة، بكلفة إجمالية بلغت 5.5 مليون درهم، بشراكة مع وزارة التضامن والتعاون الوطني.
فبفضل الجهود الحثيثة التي بذلت من لدن كل الشركاء بالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبرامجها المتعددة الأبعاد، حافظت المملكة المغربية على موقعها ضمن الدول ذات “التنمية البشرية المرتفعة”، محتلة المرتبة 120 عالمياً من أصل 193 دولة، مع تجاوز مؤشر التنمية البشرية عتبة 0.700، وفق تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لسنة 2025.
و تضمن برنامج الاحتفال بالذكرى 20 لانطلاقة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية عرض فيلم مؤسساتي يوثق للمسار التنموي الذي قطعته المبادرة الوطنية للتنمية البشرية منذ انطلاقها، من خلال شهادات وشروحات حول التدخلات الميدانية، والمشاريع التي تم تمويلها وإنجازها في مجالات الصحة والتعليم والتكوين والتشغيل، ودعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وهو ما يعكس حجم التعبئة الجماعية والانخراط القوي لمختلف الشركاء، من سلطات، ومنتخبين، ومجتمع مدني، ومصالح خارجية.
واختُتم هذا المحور بتنظيم حفل شاي على شرف الحضور، وفرصة للتواصل بين مختلف الفاعلين وتعميق النقاش حول سبل تطوير تدخلات المبادرة وتعزيز مردوديتها في المستقبل، خاصة في ظل التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تعرفها المنطقة، وتزايد حاجيات الساكنة في مجالات متعددة.
و في إطار استكمال البرنامج الاحتفالي، أشرف السيد العامل و الوفد الرسمي المرافق له على تدشين المعرض الذي نظم بساحة الجماعة الترابية لإنزكان، حيث احتضن الفضاء منتدى تشاركيا تم خلاله عرض تجارب ناجحة متنوعة لجمعيات المجتمع المدني والمؤسسات الشريكة في تنفيذ مشاريع المبادرة الوطنية و مجموعة من الشباب الطموح بالإقليم الذين استفادوا من برامج الدعم و المواكبة ليؤسسوا مشاريعهم الخاصة، من خلال أروقة تبرز مسار الإنجاز، والنتائج المحققة، والإكراهات التي تم تجاوزها، وكذا الأثر الميداني على المستفيدين.
و في ذات السياق، استعرضت كل الجماعات الترابية لأهم المنجزات المحققة لبرامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية على أرض الواقع و وقعها الإيجابي في الرقي بحياة المواطنين و المواطنات.
و شكّل هذا الحدث البارز مناسبة لتجديد التزام مختلف المتدخلين بمواصلة الجهود وتثمين المكتسبات، مع تعزيز التنسيق المؤسساتي وتوسيع الشراكات، بما يضمن تحقيق الأهداف المسطرة للمرحلة الثالثة من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والمتمثلة في الاستثمار في الرأسمال البشري، وتحقيق العدالة المجالية، وتمكين الفئات الهشة من حياة كريمة وفرص متساوية.
و يأتي تنظيم هذا الحفل الوطني في سياق استحضار الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و أيده، التي جعلت من التنمية البشرية محورا أساسيا للنهوض بأوضاع الفئات الهشة، وتقليص مظاهر الإقصاء، ودعامة أساسية لإرساء نموذج تنموي قائم على العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
وبهذا تكون عمالة إنزكان أيت ملول قد بصمت مرة أخرى على محطة تنموية بارزة، عكست روح المبادرة، وأظهرت التفاعل الإيجابي لجميع الفاعلين في خدمة المشروع المجتمعي و التنموي.