*فن أحيدوس منظومة فكرية وجمالية في حاجة إلى الحماية*

مراسلة عبد الله سدراتي .
خلف كثير من الأقنعة الفنية والثقافية والسياسية بدأ يتضح الخيط الأبيض من الخيط الأسود، حيث لاحظنا أن الجميع تقريبا بدأ يتلذذ بالوجبات السريعة كتابة، وفنا، وحتى سياسة، وكما يقال جبر الخواطر أعطى للبعض صكا بأن يملك مقومات تجعله يبحر في محيطات الكتابة والفن، والإعلام. جميل أن تضرب الدف وتقرع الطبل وتصطك القرقبات، بعيدا عن الخوض في مهنة غير مهنتك التي تُتقنها ، وبعيداً عن تبعاتها المتعددة والمتشعبة.
فإذا كانت ممارسة الفن مدخلا لممارسة الهروب، هنا نفتح قوساً لمناقشة في أي سياق يمكن أن نخوض في موضوع فرقة تزويت، فإذا كانت الإستقالات الأخيرة كما طرحها أعضاؤها فلا بأس لأسباب شخصية شأنها شأن كل الإستقالات ، أما في حالة الهروب فيمكن في هذه الحالة أن نعتبرها " سلوك شاذ وممارسة غير مقبولة "، أن نفكر في هروب مختلف؛ هروب مما اعتقده الناس واقعا جماليا وعملا إبداعيا إلى واقع أوروبي هو أقصى ما صار يطمح إليه الفنان؛ فك الإرتباط مع الجماعة المرجعية والتحلل مما يمكن أن يؤمن به الفنان من مبادئ الدفاع عن الرسالة، والانتصار للقيم والوفاء بالعهد. إذا كان كل ذلك متاحا، فعن أي فنان ناشئ نتحدث؟
لا يجب أن ينسينا الواقع البئيس وقتامة الوضع الذي يعيشه المغربي في دياره، التفكير في علاقة الفن بالمبادئ والأخلاق والجمال، إذا استطعنا تنحية اندفاعيتنا قليلا، وإلجام عاطفتنا التي يئست من واقعنا الذي لا يرتفع، وحاولنا التفكير خارج السلم الرأسمالي، فلا نستطيع أن نهلل؛ لأن شبابنا نشؤوا على مداعبة أدوات "أحيدوس"، واستطاعوا رميها في شوارع باريس، والتخلص من لباسهم "المقنع"، ولسان حالهم يقول: إن أحيدوس لا يصنع منك إنسانا، فالشيء الوحيد الذي يمنحه لك هو تأشيرة الدخول إلى الفردوس الأوروبي. فهل انتهى زمن الفن بهروب الفنان؟ أم إن كل شيء أصبح مباحا مادام العصر ينطق لغة الأورو بقوة؟ لقد صدق من قال:
لاتحسبوا رقصي بينكم طربا إن الطير يرقص مذبوحا من الألم
دعونا في النقر، والقرع، واصطكاك القرقبات؛ فنظرا لقلة الدراسات والكتابات حول فن أحيدوس الذي يعتبر إعلامًا وكيفيةً في إيصال رسالة نبيلة، فإنه من الصعب معرفة تاريخ هذا الفن، ونشأته، وتطوره عبر الزمن، إلا أنه أصبح من المؤكد أنه كان دائما مقترنا بحياة سكان منطقتي "دادس - مكون" اللتان حافظتا عليه من الاندثار والانقراض، ولم يكن هذا ليتحقق إلا لكونه جزء لا يتجزأ من حياة هؤلاء الناس وانغماسه في نمط عيشهم، وتراثهم، لا بل في شخصيتهم ومعتقداتهم، حتى أن الأجيال توارثته أبا عن جد بوفاء وصدق، بل ساهم كل جيل في إغنائه وإثرائه وتطويره حسب ما يملك من خبرة وتجربة في الحياة، ففي وقت غير بعيد لم يعرف هذا الفن سوى في تأثيث المواسم والحفلات والتدشين والاحتفاء، وهذا خطأ فادح ووسمة عار؛ لأنه من الواجب الذي يجب أن يسعى إليه كل واحد منا قدر المستطاع هو أن يدرس هذا الفن كمنظومة فكرية وجمالية واضحة، منظومة ثقافية تقرأ الإنسان في شموليته، وفي آفاقه وأبعاده ومستوياته الفكرية المتعددة والمتشعبة من خلال الإنتاج والإبداع وفن العيش.
وقد ظهرت منذ مدة مجموعات فنية أبرزته كشكل يعبر عن تميز هذه المنطقة الجميلة، وحاولت تطويره بإدخال تجديدات على مستوى الأدوات والإيقاعات لسد الفراغ الفني في هذا المجال وقلة الدعم، وبالتالي المساهمة في استمرار هذا الفن الشعبي، والراقي به والحفاظ عليه من الاندثار.
لقد آن الأوان لذوي الميدان والاختصاص من أبناء هذه المنطقة حماية هذا التراث الجمالي، في ظل الروافد المتعددة والمنفتحة على العالم المعاصر، وبذل كل الجهد لكتابة هذا الفن والعناية بكلماته، في سياق الرقمنة التي تمكنت من تدجين مشاعر الناس، وتشويه ذوقهم الجمالي. وفي أفق هذا الوقت العصيب الذي ينجذب فيه الإنسان نحو البحث عن الذات المفقودة أمام زخم الحياة وإكراهاتها، وذلك حفاظا على الذاكرة الأمازيغية بوصفها موروثا ثقافيا وقيمة إنسانية عريقة بما تحمله الكلمة من معنى -