Partager sur :

كلية الشريعة بفاس: الحسن ليتيم يحصل على الدكتوراه بميزة مشرف جدا عن أطروحته، أثر ُاعتبار المآل في حماية حق الملكية العقارية- دراسةٌ مقارنة

En savoir plus


هشام التواتي

شهدت كلية الشريعة بفاس صباح يوم السبت 31 يوليوز 2021 مناقشة أطروحة لنيل الدكتوراه في الشريعة تحت عنوان " أثر ُاعتبار المآل في حماية حق الملكية العقارية- دراسةٌ مقارنة، تقدم بها الطالب الباحث الحسن ليتيم.

وبعد مناقشة مستفيضة امتدت لساعات، حضر أطوارها عميد الكلية الأستاذ الدكتور عبد المالك أعويش، قررت لجنة المناقشة - المكونة من السادة الأساتذة: الأستاذ الدكتور عبد السلام الزياني مشرفا ورئيسا؛ الأستاذ الدكتور إِدريسْ الزعري المباركي عضوا؛ والأستاذ الدكتور عبد الله غازيوي عضوا؛ والأستاذِ الدكتور امحمد العمراوي عضوا- بإجماع أعضائها قبول الأطروحة. ومنحت الطالب الباحث درجة الدكتوراه في الشريعة بميزة مشرف جدا.

وقد حاول الباحث من خلال أطروحته: "أثر ُاعتبار المآل في حماية حق الملكية العقارية- دراسةٌ مقارنة" الاهتمامَ- في عُمقهِ وغايَتِهِ- بفقه التدينِ والتشريع، وَرَامَ الدّفعَ في سبيل توسيعِ تأصيلِهِ وإحكامِ تنزيلِهِ، بغرض تحقيقِ وظيفيَةِ المعرفةِ الشرعيةِ ومقاصديةِ التكليفِ بمقتضاها وجلبِ النفعِ مِنَ البحثِ في مجالها موضوعاً ومنهجاً، إدراكاً منه لأهميةِ وقيمةِ المرجعية الإسلاميَّةِ والطريقة المالكيةِ، وإبرازاً للحاجةِ الماسّةِ إليهِما لضمانِ العدلِ وبناءِ الحضارة والعُمرانْ، وإسعافِ ثغراتِ التقنينِ ونظرياتِ الإنسان. 

وفي هذا الصدد، يرى الباحث بأنَّ أصلَ إباحةِ التمتعِ بحقِّ الملكيةِ العقاريةِ يَعكِسُ الحريَّة في ممارسةِ سلُطاتِ هذا الحقِّ، لكنَّ الإشكالَ يَبرُزُ عندَ تَداخُلِ وتَزاحُمِ مصالحِ هذه الممارسةِ باعتبارِ الفردِ والجماعةِ، وذلك بالنظرِ إلى مدى حدودِ إطلاقِ هذه الحريَّةِ حَالَ تَجَاوُرِالمِلْكِياتِ واجتِماعِ العقارات. 

كما تَبرُزُ في مدى حدودِ الحكمِ بصحةِ التصرُّفِ منْ عدمِه حالَ خفاءِ البواعثِ والنياتِ، وعند طُغيانِ غريزةِ التملُّكِ والغصبِ وشُبَهِ التفويتاتِ.

وفي سياق الحل الفَرَضِي للمشكلةِ، فإن الطالب الباحث اعتقد جازماً بِأنَّ قواعدَ المذهبِ المالكيِّ، أصولاً وفقهاً- بما في ذلك قواعدَ أصلِ اعتبارِ المآل وخِصِّيصَتَها الحمائية، وبما يَطبَعُها من تنوُّعٍ وتَكامُل ومُرونة- قد أسهمَتْ وما تزالُ تُسْهِمُ بواقِعِيَتِها ووَسطِيَّتِها وتَوَازُنِها- في التأثيرِ على الفكرِ الأصولي والفقهيِّ بيْنَ المذاهبِ الإسلاميةِ، حتى امتدَّ الأثرُ إلى المقارَنات في مجالِ القانونِ وقضائِهِ لحلِّ مشكلاتِ التمتُّعِ بالحقوقِ.

وفي سياق محاولتِهِ تعيينَ سبُلِ العلاجِ لمشكلَةِ الموضوع، سَلَكَ الطالب الباحث مسلَكَ المقارنةِ والتأصيلِ لبيانِ قيمةِ هذه الهويَّةِ وإبرازِ أثرِ هذه الرجاحةِ المنهجيَّة بغَرَضِ تسديدِ تَنزيلِ مَنْ وُكِلَ إليه شأنُ الحُكمِ والقضاءِ في هذا المجالِ. 

وهذا ما استدعَى انخِراطَ البحثِ في تدقيقِ جوانبَ لازِمةٍ، كبَيَانِ مفهومِ وجَدْوَى الاجتهادِ المآليِّ، وتحقيقِ مفاهيمَ اجتهادِ الفهمِ والاستنباطِ والتنزيلِ وفِقْهِ القضاءِ بما فيه مفهوم اجتهاد قضاء محكمة النقض، مع محاولةِ التمييزِ بيْنَ مصطلحاتٍ تتجاذبُها تَعدُّدُ المَرجعياتِ وتَدافُعُ إكراهاتِ عملِ الفِكر الفِقْهيِّ والقضائيِّ المُعاصِر.

 وبخصوص منهجية البحث المعتمدة، فإنَّ طبيعةَ الموضوعِ، من وجهة نظر الباحث، استدْعَتْ توظيفَه مناهجَ لتعزيزِ منهجِ المقارَنةِ الأساسِ، ومِنْ ذلك الاِستقراءُ والوصفُ والتحليلُ والاستنتاج. 

أما بِناءُ الموضوعِ وتصميمُه، يضيف الباحث، فقدِ اعتمد في توزيعِ المادةِ العلميةِ التقسيمَ الثنائيَّ الذي جسّده في بابيْنِ جعلهُما بيْنَ مقدمةٍ وخاتمة.

 وهكذا فقد سعى الطالب الباحث إلى التدرُّجَ المنطقيّ والتركيبَ النسقيّ، بتنزيلِ الفرعِ على الأصلِ، ورَبْطِ اللاّحِقِ بالسابِقِ، وشَدِّ بعضِ ذلك بِبَعْضٍ. 

ففي الفصلِ الأولِ مِنَ البابِ الأولِ، بدَأْ الباحث بالتعريفِ بأصلِ اعتبارِ المآلِ، وذِكْرِ مَسالِكِهِ وقواعِدِهِ مع التركيزِ على خصائصِهِ الحمائيّةِ، ثم وقف عندَ مَراتِبِ المآلِ وأهَمِّ وسائلِ الكشفِ عنْها وإثباتِها، مُعتنِياً بوسيلةِ القرائن.

 وفي مبحثٍ ثانٍ انتقل الباحث إلى وظيفيَةِ ذلك في العصر الحالي، فعمِل على رصدِ مكانةِ اعتبارِ المآلِ في الاِجتهادِ بأنواعِهِ، إلى أنْ وقف عندَ خصوصيتِهِ التنزيليَةِ، وربطه باجتهادِ القضاءِ ذِي الطبيعةِ التطبيقيَة. 

وقد كان الفصلُ الثاني منْ هذا البابِ، يضيف الباحث، محَلَّ توسُّعٍ في إِبرازِ حاجَةِ الواقعِ المعاصِرِ لهذا الأصلِ الأصيلِ المميِّزِ لأصولِ فقهِ المالكيةِ. فبَعْدَ أنْ تعرَّض في مبحثٍ أولَ لقاعدةِ إحالةِ المقنِّنِ المغربيِّ على الراجِحِ أوِالمشهورِ أوْ ماجرَى بهِ العملُ، بَسط الباحث في المبحثِ الثاني منهجَ وخطوات إجراءِ القضاءِ اجتهادَهُ المآليَّ في دعاوَى الملكيةِ العقاريةِ.

أما البابُ الثاني فقدْ خصَّص الباحث فصلَهُ الأوَّلَ لِتتَبُّعِ أثرِ اعتبارِ المآلِ في مجالِ أحكامِ استعمالِ حقِّ الملكيةِ مُرَكِّزاً على مَسائلِ الجوارِ وأحكامِ الضِّرارِ ونتائجِ الارتفاقِ والالتصاقِ بالعقار. 

أما الفصلُ الثاني فَخَصَّصه للتصرُّفاتِ وَالعُقودِ العقاريةِ مُرَاقباً أثرَ اعتبارِ المآلِ في حمايةِ ذوِي الحقوقِ مُمَثِّلا بِعقودِ المريضِ مرضَ الموتِ، وبأهمِّ التصرفاتِ المتعلقةِ بالشفعةِ.
 
وبخصوص نتائج البحث، فقد أثمَرَت حسب ما توصل إليه الطالب الباحث إلى مايلي: 

1- اِعتبارُ المآلِ أصلٌ كليٌّ تَوَقعِيٌّ لهُ أثرٌ يَقتضِي الحُكْمَ العادِلَ على الفعلِ بموافقةِ مقصودِ الشارعِ. 

2- كلّ حقّ يُفضي استعمالُه قطعاً أوظنّاً غالباً أوكثيراً إلى غَيْرِ الغايةِ التي شُرِعَ مِنْ أجلِها، لمْ يبقَ مشروعاً لمناقضتِهِ هذهِ الغايةَ حتى ولو كان الباعث مشروعاً؛ لأنَّ العبرةَ في تكييفِ الاستعمالِ وتحقيقِ مناطِهِ هي مآلُهُ. 

3- حقيقةُ القضاءِ عند المالكيةِ هو التفطُّنُ لوجوهِ الحِجاجِ والتنَبُّهُ للبواعثِ والقرائنِ، والعِلْمُ بمنهجِ استثمارِها وإحقاقِ الحقِّ والعدلِ بها. وإنَّ اعتبارَ المآلِ في كلِّ قضيةٍ بخصوصِها منْ أنفعِ شروطِ القاضي العادِلِ؛ لأنَّ في ذلك ما يُعِينُ على تقريبِ حقائقِ المعاملاتِ ومعانيها، وبَيانِ زَيْفَ أشكالِها ومبانِيها.

4- إنَّ أصلَ الإحالةِ على الراجحِ أوِالمشهورِ أوْما جرى بهِ العملُ، هو منهجٌ درَجَ عليه فقهاءُ وقضاةُ المالكيةِ رعياً للمصالحِ، واعتباراً لمآلاتِ عدمِ الاِستقرارِ واضطرابِ الأحكامِ، وعليه سارَ المقنن وبهِ عملُ القضاء.

5- اعتبارُ المآلِ أصلٌ بُنِي عليه حُكْمُ إزالةِ الضررِ البليغِ عند الفقهاءِ، فكلما لاحَتِ النتيجةُ الضرَريةُ إلا ومُنِعَتِ الإباحةُ الأصليَّةُ؛ لأن الحريةَ في استعمالِ حقِّ الملكيةِ العقاريةِ ليستْ على إطلاقِها. 

6- المذهبُ المالكيّ باعتمادِهِ المآلَ في تقريرِ أحكامِ حِفظِ الملكيةِ العقارِيةِ وحِمايتِها، قد أثبتَ لها كَياناً مستقلاًّ عن أحكامِ التعدِّي في الفقهِ الإسلاميِّ، فلَمْ يَكْتَفِ بحُسْنِ النيَّةِ كما كان عليه الشأنُ حتى في القانونِ والقضاءِ الغربيِّ عند بدايةِ تقريرِهِ لنظريةِ التعسفِ، بلْ زادَ المالكية على ذلك اعتبارَ النظرِ الموضوعيِّ بإزالةِ الضررِ المادي وإقامةِ الموازنةِ بين المصالِحِ والمفاسِدِ التي يؤولُ إليها الاستعمالُ. ونظريةُ التعسفِ الغربيَّةِ إنما هيَ استثمارٌ للمقارناتِ الفقهيةِ والقانونيةِ والقضائية، والتي شكَّلتْ فيها على الحقيقةِ أصولُ فقهِ المالكيةِ وقواعدُهُمُ الحظَّ الأوفَى.

Langue
Arabe
Région
Fez - Meknès
Partager sur :