رمزية الأهازيج وطقوس نسيج الجلابة البزيوية
بقلم زينب زمراني طالبة باحثة ماستر السرد والأشكال الثقافية بالمغرب.
تقديم:
التراث كلمة جامعة لكل الموروثات (سواء المادية أو اللامادية)، التي تناقلتها وتتناقلها الأجيال، وهو الذي يميز كل شعب عن غيره، ويعطيه كينونته الخاصة به، وهو جسر من الماضي يمتد إلى الحاضر والمستقبل.
والمغرب كغيره من البلدان له ما يميزه من موروثات تضمن له هويته المتجذرة في التاريخ، ومما لاشك فيه أن الأزياء بجميع أنواعها، رافد من روافد التراث فالزي المغربي إرث ثقافي راسخ، وسجل تاريخي عابر للأزمان، ولعل الجلباب المغربي خير شاهد.
وموضوع بحثنا هذا هو "رمزية طقوس نسيج الجلابة البزيوية".
وتتفرع محاور البحث إلى:
1 ــــ نسيج الجلابة البزيوية: التعريف والمميزات.
2 ــــ الطرق، المراحل والمهارات المتبعة لحياكة هذا النسيج.
3 ــــ الطقوس المرافقة لمراحل النسج، ورمزيتها (الأهازيج).
الجلباب (الجلابة بالعامية) لباس طويل، يمتد حتى الكاحل، يتصل به غطاء للرأس (القب)، ذو أكمام فضفاضة، وتتخلله زخارف وتطريزات حسب الأذواق.
وقد اشتهرت الجلابة البزيوية عن نظيراتها لجودتها وتفردها، إضافة إلى أنها كانت ولا تزال من أزياء الطبقات الموسرة، وكدليل نورد قول الباحث (مصطفى فئتير) متحدثا فيه عن لباس القائد (عيسى بن عمر العبدي) ــــ وهو من أهم القياد بمنطقة عبدة قبل الحماية الفرنسية ـــــ "كان القائد يتخذ الجلاليب والسلاهيم وغيرها من الأثواب المحلية، وكان يختار البزيوي لدقته وجودته".
يعتمد نسيج الجلابة البزيوية على مادتين: الصوف والحرير الخالص ويستغرق من الوقت الشهر فأكثر، يمر خلالها عبر أشواط ومراحل نوجزها
كالتالي:
1 ـــــ غسل "البطانة" في إحدى العيون المائية المعروفة بالمنطقة وهي "عين تامدة".
2 ـــــ استخلاص الصوف من البطانة"، وتسمى عملية "التخلخيل".
3 ـــــ تنقية الصوف من الأوساخ والشوائب العالقة به وتسمى العملية "تنقية السبولة".
4 ـــــ جمع الصوف المستخلص وتركيبه في خيوط سميكة لإعادة غسله في عين تامدة وتسمى العملية "الترجال".
5 ـــــ تبييض الصوف بمادة الكبريت ليبدو ناصعا.
6 ــــــ جمع خيوط الصوف المحصل عليها (السدا) في كرات تسمى الواحدة "كبة" وهذه العملية تسمى "التكباب".
7 ــــــ تسريح السدا" ليشكل قاعدة بيضاء لتبدأ عملية النسيج، وتسمى هذه العملية "التمغاط".
8 ــــــ عملية "التجرية". وهي ما تقوم به امرأة من ذهاب وإياب بين امرأتين تجلس كل واحدة منهن في طرف، وتدين متباعدين، بعدها يتم إعداد "المنسج"
وتثبيته على عمودين يسميان "وقافات" لتبدأ عملية تمرير الخيوط، والضغط عليها بمشط حديدي ذي أسنان بضربات خفيفة حتى تتماسك خيوط النسيج فيما بينها... وفي الختام يتم قطع الخيوط وفصل المنسوج ليصبح ثوبا جاهزا، وتسمى العملية الأخيرة "التكراج".
وتعرف منطقة ابزو بسوق "المدرسة للدلالة" وهو سوق أسبوعي ينعقد كل يوم جمعة بعد صلاة الجمعة، ويمتد إلى آذان صلاة العصر، وفيه تعرض النسوة الصانعات ما نسجته أناملهن، وتتم عملية البيع والشراء فيما يشبه المزاد العلني. ويرافق كل هذه الجولات طقوس تراثية محلية تتخللها ممارسات وأنشطة مستمدة من واقع المنطقة وهويتها، وكمثال لا الحصر الأهازيج)، وهي باقة من الترانيم ترددها النسوة الصانعات، وتشمل الأغاني والمواويل المحلية والأشعار في إيقاعات خاصة ذات حمولة تعبيرية، وهذا للتنفيس عن الذات، وتزجية بالوقت
وتفريغ تعب الأبدان.
إستنتاجات البحث:
الخلاصة أن الجلباب البزيوي إرث زاخر له أبعاده الثقافية والوظيفية، وهو تعبير عن خصوصية المنطقة وتراثها، فيكفي فخرا أنه لا محيد عن الجلباب البزيوي في المناسبات والأعياد.... وهو زي الأعيان، ورجالات الدولة في مختلف المناسبات والمراسيم ... إذن هو ظاهرة تراثية بحاجة إلى الصون والتعريف، والإحياء، حتى نضمن لها الاستمرارية بين الأجيال.
آفاق البحث:
إرتأينا في هذا البحث أن يكون
ـــــ ورقة تعريفية لإحدى معالم اراثنا المادي.
ـــــ غوص / رد اعتبار، فهذا الموروث أضحى في غياهب الإهمال بعد سطوة العولمة وتعاظم سلبياتها، التي أجهزت على الكثير من خصائص المجتمعات.
ــــــ همسة في أذان المسؤولين أنه لا مجد لأمة بلا تراث.
المراجع
ـــــ لقاء مع ساكنة قرية ابزو (المدرسة).
ــــــ كتاب عيسى بن عمر العبدي قائد عبدة، المؤلف المصطفى فنيتير، جمعية البحث والتوثيق والنشر، السنة 2005م، عدد الصفحات 145.
بني ملال 15 أبريل 2024