Partager sur :

الإخوان و الإسلامويون والقضية الفلسطينية بقلم : الحسن أ.د

كان إخوان مصر في عهد مبارك لا يتركون أي مناسبة للعزف على الجرح الفلسطيني ودغدغة مشاعر المسلمين والتجارة بنكبات الأمة العربية والإسلامية وتوظيفها في أهداف سياسية وحزبية ضيقة، وقد كان شعارهم قبل الوصول إلى الحكم في مصر هو(ملايين ملايين على القدس رايحين) وكانوا يطالبون مبارك أن يفتح لهم باب الجهاد لتحرير القدس، وكانت تعتبر القضية الفلسطينية ولازالت عندهم وعند كثير من جماعات الاسترزاق الديني، هي تلك الدجاجة التي تبيض ذهبا، وكنت توقعت أن تعيش إسرائيل أحلك أيامها بعد وصولهم للسلطة، وربما حتى هزيمتها عسكريا على اعتبار أن الجيش المصري من أقوى الجيوش عربيا وإسلاميا، لاكن حدث العكس بعد ذالك.

الذي حدث في الحقيقة هو أن الرئيس المصري  الإخواني الراحل محمد مرسي، و بعد أن وصل للرئاسة أرسل رسالة رسمية  للرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز(الذي يعتبر من وجهة نظر الإخوان صهيونيا ومجرم حرب) يقول فيها ما نصه مختصرا: باسم الله الرحمن الرحيم، من محمد مرسي رئيس الجمهورية، إلى صاحب الفخامة السيد شيمون بيريز رئيس دولة إسرائيل، عزيزي وصديقي العظيم .......(الخ الرسالة) .... صديقك الوفي محمد مرسي ...    انتهى.

هذه الرسالة التي اعتبرت في وقتها فضيحة كبرى أضيفت لسلسة الفضائح السياسية و الإجرامية والإرهابية والأخلاقية التي لا تنتهي لجماعة الإخوان، تعللت بعدها الجماعة أن الرسالة خرجت من مكتب الرئيس دون علمه ودون أن يقرأ محتواها، وهي حجة فيها بعض الصحة، على اعتبار أن الجماعة انتقلت من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة دون أن تمر بمراحل تمكنها من التمرس على ابسط أبجديات الحكم والسياسة، لاكني لم أفاجئ بالأمر لأن الكثيرين من الخبراء والباحثين لا يزالون يعتبرون الجماعة صناعة ماسونية منذ عهد تأسيسها في مصر على يد حسن الساعاتي ( اسمه الحركي حسن البناء وليس البنا، نسبة للبنائين الأحرار الذين هم أخوية الماسونية)، كما ذكر الدكتور ياسر حلمي الشاعر المتخصص في تاريخ الأخوان في كتابه ( التاريخ الأسود للجماعة بين يهودية حسن البنا و ماسونية الإخوان)، و بعد أن تلقى حسن البناء باعترافه شخصيا مبلغا مهما لتأسيس الجماعة من أحد اللوردات الذي كان يشغل منصب رئيس محفل ماسوني، وأن الهيكل التنظيمي والحركي  وطقوس الاستقطاب والانضمام للجماعة يتطابق مع قواعد وأسس وطقوس أخوية الماسونية، وهذا ما أكده مفكرون مصريون معروفون كانوا مسئولين على أعلى مستوى في جماعة الأخوان مثل ثروت الخرباوي في كتابه سر المعبد الذي وضع مصطلح (الماسواخوانية) و مختار نوح ومحمد حبيب نائب المرشد سابقا وغيرهم كثير.

الذي يدرس أدبيات الجماعة أو يتدرج داخل دهاليزها يدرك حقائق خطيرة لا جدال فيها، أهمها أن الجماعة لا تؤمن بمفهوم الدولة أو الوطنية، بل بمفهوم الأمة الذي يعتبر مصطلحا شرعيا فقهيا أصوليا تحول إلى مصطلح إيديولوجي من أدوات الدعاية لجماعات الإسلام السياسي، كما اعترف مرشد الجماعة محمد بديع الذي صرح في تغريدة رسمية له أن الوطن عبارة عن حفنة من تراب عفن، تأكيدا لما كان قاله سابقا المنظر الأول للتطرف في الجماعة سيد قطب، كما انه في حوار صحافي نشرته صحيفة روزاليوسف اليومية مع المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف تضمن نص الحوار عبارات على لسان عاكف قال فيها : طز في مصر.. وأبو مصر.. واللي في مصر، إلى غيرها من تصريحات لمفكرين ومسئولين على أعلى مستوى داخل هرم الجماعة في مصر أو من التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، تدل دلالة قاطعة أنهم لا يؤمنون بمفهوم الدولة القطرية، والأخطر من ذلك أن الجماعة عندما وصلت للحكم في مصر بدأت عمليا في تنفيذ مشاريع ومخططات لو تمكنت من إنجازها قبل تدخل الجيش المصري لدخلت مصر في حرب أهلية طائفية ولتفككت الدولة المصرية، مثل المشروع الذي تم  بالاتفاق مع حركة حماس التي تعتبر الجناح العسكري للجماعة، لإعادة توطين سكان غزة على حساب الأراضي المصرية في سيناء بمنحهم مساحة  قدرها 600 كم مربع، الفضيحة التي كانت من اكبر الأسباب التي دفعت الجيش للانقلاب عليهم وإعادتهم  إلى السجون، بالإضافة طبعا لقضية التخابر مع دول أجنبية، وإدخال جماعات إرهابية لصحراء سيناء للاستعانة بهم في ترهيب وقمع الشعب المصري في حالة الانتفاضة ضدهم، وهو ما حدث بالفعل بعد سقوطهم.

إن الأسس التي تبنى عليها عقائد وإيديولوجيات جماعة الإخوان المسلمين وغالبية جماعات الإسلام السياسي أو ما أفضل تسميته بجماعات التمايز بالدين، لا يمكن أن تتوافق أو تساير مفهوم الدولة الحديثة، ولا أن تتعايش مع ثوابت المغرب كالملكية وإمارة المؤمنين، ومقدساته كالوطنية والقضايا المصيرية للشعب المغربي، مهما حالوا الإدعاء بغير ذلك، لأن منطلقاتها فقهية شرعية تخضع لمختلف التأويلات والقراءات و الاجتهادات، وأنهم يضعون نصب أعينهم مصالح الجماعة والأدوات التي يتمكنون من خلالها من تنفيذ مشاريعهم كمشروع الخلافة، من خلال مفاهيم أسسوا ونضروا لها منذ عهد محمد رشيد رضا و المودودي و الندوي وسيد قطب وحسن البناء .... الخ، هذه المفاهيم والمبادئ التي تبنتها هذه الجماعات مثل مفهوم الحاكمية والخيرية والولاء والبراء ... الخ، أدت بها إلى تضارب المصالح مع المؤسسات الحاكمة في كل الدول التي تواجدت فيها، بل وأخطر من ذلك بأن دخلت هذه الجماعات  في صراع مع السلطات وصل إلى حد المواجهة  المسلحة منذ تأسيس الجماعة الإسلامية وحركة الجهاد في مصر إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ ثم الجماعة المقاتلة في الجزائر مرورا بالقاعدة ثم داعش وبوكو حرام ..... الخ .

في عهد الراحل المرحوم الحسن الثاني وهو الذي خبر جيدا توجهات هذه الجماعات ومشاريعها، وكيف لا وقد كان رحمه الله فقيها عالما بأدق تفاصيل الشريعة والفقه والحديث والأصول، زيادة على كونه كان سياسيا عبقريا له القدرة على توقع مسار الأحداث على المدى البعيد، في عهده حاول إخوان المغرب ولوج غمار العمل السياسي انطلاقا واعتمادا على ما يسمونه هم بالمرجعية الدينية أو خلط الدين بالسياسة، أو ما يمكن تسميته بشكل صريح بالتجارة بالمقدس، فكان رده حاسما وواضحا بأن أرسل لهم عبر أحد كبار المسئولين في الدولة رسالة واضحة وقوية تمنعهم من التفكير في الأمر.

جاء وصول حزب العدالة والتنمية في المغرب للسلطة  في سياق وظرفية معينة  مع الربيع العربي وحركة 20 فبراير، وبعد انخراط المغرب من خلال سياسات وتصورات صاحب الجلالة الملك محمد السادس، الذي تبنى المقاربة الديمقراطية والمؤسساتية لبداية مشروع حداثي رائد في المغرب والمنطقة، تكون فيه الصناديق هي الحاسم في الانتخابات البرلمانية التي تنبثق عنها الحكومات المغربية المتعاقبة، هذه الانتخابات مكنت حزب العدالة والتنمية من الوصول للسلطة مرتين متتاليتين كان حصيلة إنجازاتها خلالها هزيلة جدا في كل الميادين الاقتصادية و الاجتماعية، وإن كانت هناك منجزات تنموية كثيرة تم تحقيقها في المغرب  بمبادرات ورؤى ملكية، ما أدى بالحزب إلى تلقي هزيمة كبيرة ومذلة في الانتخابات الأخيرة، خرج بعدها بشكل شبه كلي من التأثير في السياسات الداخلية والقدرة على الحشد والتعبئة، لأن قاعدته الجماهيرية تقلصت بشكل كبير، وفقدت شريحة واسعة من  الشعب المغربي الثقة في شعاراته وخطبه، وهو نفس ما حدث لأحزاب الإسلام السياسي مثل النهضة في تونس وإخوان مصر التي تم حلها وتصنيفها جماعة إرهابية، صار حزب العدالة والتنمية بعدها يحاول العودة للمسرح السياسي ولو بالخروج بتصريحات ومزايدات غوغائية و جدلية من كبار مسئوليه الهدف منها هو جلب الأضواء ولفت الانتباه، وكسب تعاطف بعض المخدوعين بأكاذيبهم من الشعب المغربي، والعزف والمتاجرة بالقضية الفلسطينية وقضايا الأمة الإسلامية التي عليها إجماع من المؤسسة الملكية و الحكومة والشعب المغربي، دون مراعاة حساسية وتعقيد الظرفية الراهنة وطنيا وإقليميا ودوليا، أو مراعاة المصالح العليا للبلاد، مع العلم أن المغرب قدم عبر التاريخ تضحيات عظيمة وخدمات جليلة لقضايا الأمة العربية و الإسلامية سجلها التاريخ ويعترف بها العدو قبل الصديق منذ عهد صلاح الدين الأيوبي إلى يومنا هذا.  



 

Arabe
Partager sur :