
العربي السليماني - فرنسا - في ظل التحولات العميقة التي تعرفها الساحة الدولية، تتعاظم خطورة المشروع الانفصالي الذي تتبناه جبهة
البوليساريو، بدعم كامل من النظام الجزائري، وتحالف خفي مع قوى دولية تسعى إلى زعزعة الاستقرار الإقليمي، وعلى رأسها إيران، وأحيانا بعض الحكومات اليسارية بأمريكا اللاتينية مثل كولومبيا.
لم يعد هذا المشروع يكتفي بالدعاية الكلاسيكية أو تحركات اللوبيات، بل انتقل إلى تنفيذ مخطط طويل الأمد، متعدد المراحل، يهدف إلى اختراق الديمقراطيات الغربية والمؤسسات الدولية، لضرب شرعية المغرب ومصالحه الاستراتيجية، خاصة في ملف الصحراء المغربية.
من الإفشال العسكري إلى التخطيط الهيكلي
منذ 1975، والبوليساريو والجزائر توظفان جميع الأدوات الممكنة: المال، السلاح، الرشاوى، الإعلام، و اللوبيات داخل أوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية. وحين فشلت في فرض مشروعها على المجتمع الدولي، انتقلت إلى استراتيجية “بني صهيون” كما هي موثقة في التاريخ: الاختراق الهادئ، التخطيط على مراحل، واللعب من داخل المؤسسات.
وهنا يجب التنبيه إلى ما وقع مؤخرًا في مدينة Limay الفرنسية (قرب Mantes-la-Jolie)، حيث حصلت البوليساريو على مقر رسمي لما يسمى بـ"ائتلاف جمعيات داعمة للجبهة"، وهو ما يعتبر شرارة انتقال المشروع من مستوى النشطاء والمظاهرات، إلى تأسيس نفوذ سياسي مؤسسي داخل فرنسا.
كيف يشتغل هذا المخطط؟
1. تأسيس جمعيات ظاهرها اجتماعي وثقافي، وباطنها سياسي انفصالي.
2. تجنيس نشطاء موالين للبوليساريو واستغلالهم داخل الأحزاب.
3. الترشح لمناصب محلية و جهوية، وربما وطنية، لخدمة أجندة خفية.
4. استعمال مناصبهم لمهاجمة المغرب داخل البرلمان الأوروبي، والضغط في الأمم المتحدة.
إنه اختراق ديمقراطي مقنع بأدوات مشروعة، لكنه في عمقه يهدف إلى ابتزاز المغرب وتشويه مساره التنموي والديمقراطي، خصوصًا في إفريقيا، حيث أصبح نموذجا إقليميا ناجحا.
الخطر الحقيقي من إيران، كولومبيا، والمد الشيعي: تشبيك بهدف الرعب والترويع
من اللافت أيضًا أن هذه الاستراتيجية تحظى بدعم أوسع من مجرد الجزائر. فـإيران، من خلال حزب الله، قدمت دعما مباشرا للبوليساريو بالسلاح والخبرة، في محاولة لبناء حزام شيعي يمتد نحو غرب إفريقيا، ويقوض الاستقرار الديني والمذهبي في المنطقة.
أما في أمريكا اللاتينية، فقد عادت كوبا مؤخرًا للاعتراف بالجمهورية الوهمية، في خطوة مدفوعة بأجندة أيديولوجية يسارية بعيدة عن الواقع السياسي والشرعي.
بين اليهود المغاربة و"انفصاليي الخارج"
في مقابل هذا التحالف التخريبي، يقدم اليهود المغاربة نموذجا عالميا في الوفاء للوطن. فرغم أن أكثر من مليون يهودي من أصل مغربي يعيشون اليوم في إسرائيل والعالم، إلا أنهم لم يتخلوا عن ارتباطهم العاطفي والرمزي بالمغرب، بل إنهم يساهمون في الدفاع عن مصالحه، دون أن يسعوا يوما لتقسيمه أو التشويش عليه.
هذا النموذج يفضح زيف من يدعي الانتماء للمغرب ثم يعمل على تفتيته، ويعكس الفارق الجوهري بين من يخدم وطنه من الخارج، ومن يخونه من الداخل ولو باسم الحرية.
السياسيون من أصول مغربية في برلمانات الغرب: بين الولاء والصمت
المؤسف أن بعض السياسيين المنحدرين من أصول مغربية، سواء في فرنسا أو بلجيكا أو هولندا أو كندا أو أمريكا، يتجنبون عمدا الدفاع عن القضية الوطنية. هؤلاء:
إما يصمتون خوفا على مناصبهم داخل أحزاب يسارية أو تقدمية،
أو يتظاهرون بالحياد حفاظا على أصوات الجالية المغاربية المختلطة،
أو حتى يتماهون مع الطرح الانفصالي بذريعة حقوق الإنسان و”تقرير المصير”.
وهذا الصمت – أو المسايرة – يمثّل خيانة سياسية مغلفة بالدبلوماسية، وهو ما يجب التنبيه له و فضحه، لأن التخاذل في الدفاع عن وحدة المغرب يصب في مصلحة أعدائه.
دعوة إلى اليقظة
إن ما تواجهه المملكة المغربية اليوم ليس مجرد نزاع حول أقاليم جنوبية، بل هو حرب ذكية ومعقدة تقودها جبهة مدعومة من دولة جارة، وتحظى بمساندة إيرانية و اختراقات غربية، هدفها ضرب استقرار المغرب، وتمزيق صورته، وتحويله إلى "أزمة دائمة" في أجندات الأمم المتحدة.
ومن هذا المنطلق، نوجه نداء واضحا إلى:
الدبلوماسية المغربية، داخل وخارج الوطن، لتعزيز الحضور الاستباقي لا الدفاعي
الجالية المغربية بالخارج، للتصدي لأي مشروع اختراق انفصالي باسم الجمعيات أو الحقوق.
السياسيين المغاربة في الغرب، لموقف واضح ووطني لا يحتمل الرمادية.
فالمعركة اليوم معركة وجود، لا ترف سياسة. والمغرب ليس مجرد دولة، بل عمق حضاري، وشعب مقاوم، ووحدة ترابية لن تُفكّكها ألاعيب المكر ولا دهاء المناورات.