
السيدة ليلى الزعروري خبيرة في مجال الطيران، وباحثة متخصصة في الأدلة الجنائية الفضائية، ومهتمة بالشؤون القانونية و الإصلاح القضائي.
1. دور الأقمار الصناعية في التحقق من الأدلة الجنائية
تمثل الأقمار الصناعية أداة قوية في مجال التحقيق الجنائي، حيث يمكن استخدامها لتقديم أدلة بصرية وتوثيق الأحداث بدقة زمنية ومكانية. ومع ذلك، فإن فعاليتها تعتمد على نوع الدليل وإمكانية التلاعب به، خاصة مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي.
2. دور الأقمار الصناعية في كشف الأدلة المفبركة عن طريق الذكاء الاصطناعي
يواجه العالم اليوم تحديات كبيرة في كشف التزييف الرقمي، خصوصًا مع تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل التزييف العميق (Deepfake). يمكن للأقمار الصناعية المساهمة في كشف بعض أنواع التلاعب، لكن بحدود معينة، وذلك وفقًا للجوانب التالية:
أ. الصور والفيديوهات المزيفة (Deepfake)
• تتيح الأقمار الصناعية التقاط صور زمنية دقيقة للأماكن، مما يساعد في دحض صور أو فيديوهات مفبركة تدّعي وقوع حدث معين في وقت أو مكان محدد.
• لكنها لا تستطيع التحقق من صحة فيديوهات مزيفة إذا كانت المشاهد مصطنعة بالكامل أو غير مرتبطة بموقع جغرافي حقيقي.
ب. تحليل الموقع والتوقيت
• يمكن للأقمار الصناعية، بالإضافة إلى بيانات GPS، المساهمة في التحقق من صحة الادعاءات المتعلقة بتواجد شخص في موقع معين وقت وقوع جريمة.
{ يعد التموقع الجغرافي والتوقيت من العوامل الأساسية ذات الأهمية البالغة}
ج. تزييف البيانات الرقمية
• في حال تم التلاعب ببيانات مثل لقطات كاميرات المراقبة أو سجلات الاتصالات، يمكن للأقمار الصناعية تقديم صور داعمة للمساعدة في التحقق من صحة هذه المزاعم.
• لكنها لا تستطيع تحليل البيانات الرقمية المزورة بشكل مباشر، مما يستلزم اللجوء إلى تقنيات أخرى للتحليل الرقمي.
3. الذكاء الاصطناعي والتلاعب بالأدلة.
• أصبح الذكاء الاصطناعي قادرًا على إنتاج محتوى مزيف عالي الدقة، مثل مقاطع الفيديو والأصوات المزيفة، التي يمكن استخدامها في الاحتيال والتضليل الإعلامي.
• قد يلجأ بعض المحامين إلى استخدام تقنية التزييف العميق أمام المحكمة لإثارة الشكوك حول مصداقية الأدلة، استنادًا إلى القاعدة القانونية “الشك يُفسر لصالح المتهم”.
• هذا يستدعي تعزيز عمليات التحقق من الأدلة باستخدام مزيج من التحليل الرقمي، الذكاء الاصطناعي، والأقمار الصناعية لضمان دقة الأحكام القضائية .
4. هل تستطيع الأقمار الصناعية كشف زيف الذكاء الاصطناعي؟
• تمتلك الأقمار الصناعية قدرات متقدمة في التصوير والرصد الموضوعي، مما يسمح لها بتوثيق الأحداث دون تأثر بالخدع البصرية التي ينتجها الذكاء الاصطناعي.
• لكن مدى فعاليتها يعتمد على طبيعة الدليل ومدى توفر البيانات الزمنية والمكانية المناسبة .
5. دور الذكاء الاصطناعي في كشف التزييف
• يعتمد كشف التلاعب الرقمي على تقنيات الذكاء الاصطناعي، مثل تحليل الظلال، الزوايا، والانعكاسات، وهي تقنيات قد تكون أكثر دقة من الأقمار الصناعية في بعض الحالات.
• الجمع بين التحليل الجنائي الرقمي والذكاء الاصطناعي يوفر حلولًا أكثر فاعلية في كشف التزييف المتقدم.
6. التحديات والقيود
• رغم أن الأقمار الصناعية توفر أدلة مرئية موثوقة، فإن دقتها تتأثر بعوامل مثل جودة الصور، توقيت التقاطها، وإمكانية تحليلها بموضوعية.
• قد يؤدي سوء تفسير الصور الفضائية إلى تقديم صورة غير مكتملة عن الواقع، مما يثير تساؤلات حول مدى موثوقية هذه الأدلة .
7. القصور في كشف التزييف العميق :
لا تستطيع الأقمار الصناعية بمفردها كشف التزييف العميق في الفيديوهات، خاصة إذا كانت المشاهد مصطنعة بالكامل أو لا تتعلق بالموقع الجغرافي.
الحاجة إلى الذكاء الاصطناعي:
- لمواجهة التزييف العميق، يجب الاستعانة بالذكاء الاصطناعي لتحليل الصور والفيديوهات، ومقارنة البيانات المكانية والزمانية، والكشف عن أنماط التزييف.
- لذلك التكامل بين الأقمار الصناعية والذكاء الاصطناعي ضروري لكشف التزييف بدقة.
8. لاستخراج الدليل الجنائي باستخدام الأقمار الصناعية، يجب توفر العناصر التالية:
لاستخراج الدليل الجنائي باستخدام الأقمار الصناعية، يجب توفر العناصر التالية:
1. تحديد موقع الجريمة: يعد التحديد الجغرافي الدقيق لمكان وقوع الجريمة عنصرًا أساسيًا، حيث يتيح الوصول إلى الصور الفضائية ذات الصلة بالموقع.
2. تاريخ ووقت الجريمة: من الضروري معرفة التاريخ والوقت الدقيق لوقوع الجريمة، مما يسمح بالحصول على صور الأقمار الصناعية المطابقة لتلك الفترة الزمنية وتحليلها بدقة.
يجب توفر هذه المعطيات لاستخراج الدليل الجنائي ومقارنته بدقة، مما يساعد في الكشف عن أي تزييف أو تلاعب في الأدلة.
إضافةً إلى ذلك، قد يكون من المفيد مراعاة عوامل أخرى، مثل:
• الظروف الجوية خلال وقت الجريمة.
• دقة الصور المتاحة.
• إمكانية الوصول إلى أرشيف البيانات الفضائية لمقارنة الصور قبل وبعد الحادثة
مثال توضيحي:
في بعض القضايا الجنائية، قد تُقدَّم أدلة مرئية متناقضة، كما في حالة تقديم المشتكي مقطع فيديو يدّعي أنه يثبت وقوع الجريمة، في حين يُقدِّم المشتكى به مقطعًا آخر يناقضه تمامًا، مدعيًا براءته
في مثل هذه الحالات، يصبح توفر المعطيات الأساسية، مثل الموقع الجغرافي الدقيق والتاريخ والوقت المحدد للجريمة، أمرًا جوهريًا للتحقق من صحة الأدلة وكشف أي تلاعب محتمل.
وفي حال غياب هذه المعطيات، تبرز تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة حاسمة لتحليل الفيديوهات، حيث يمكنها الكشف عن أي تلاعب رقمي، مثل تعديل الصور، تزوير التوقيت، أو دمج اللقطات، مما يساعد في كشف زيف الأدلة أو التلاعب بها من أساسها
الرقابة القضائية على الأدلة الرقمية وضمان مصداقيتها
يتعين على القاضي أو النيابة العامة ممارسة دورهما الرقابي في تقييم مدى حجية وقانونية الأدلة المقدمة، والتأكد من سلامة إجراءات تحليلها وفقًا للضوابط والمعايير القانونية المعتمدة. كما تضطلع النيابة العامة بدور جوهري في طلب الخبرات التقنية المتخصصة والاستعانة بالجهات المختصة لفحص مصداقية الأدلة الرقمية، وذلك ضمانًا لسلامة الإجراءات القضائية، وتحقيقًا للعدالة، ومنعًا للاعتماد على أدلة قد تكون مفبركة أو مشكوكًا في صحتها
الأقمار الصناعية و الذكاء الاصطناعي في التحقيقات الجنائية .
استنتاج :
نستنتج أن الأقمار الصناعية تقدم أدلة بصرية موثوقة حول الموقع والتوقيت، لكنها ليست قادرة بمفردها على كشف جميع أنواع التزوير، خاصة التزييف العميق الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي.
لذلك، لكشف زيف الأدلة المفبركة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، يصبح من الضروري استخدام الذكاء الاصطناعي نفسه في التحليل من خلال :
• تحليل الظلال والزوايا والانعكاسات في الصور والفيديوهات.
• مقارنة البيانات المكانية والزمانية مع صور الأقمار الصناعية للتحقق من صحة الأحداث.
• استخدام خوارزميات التعلم العميق للكشف عن أنماط التزييف العميق
بناءً على ذلك، يمكن الاستنتاج بأن الأقمار الصناعية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتعزيز فعاليتها في كشف التزييف، مما يجعل التكامل بينهما ضروريًا للوصول إلى الحقيقة بدقة وموثوقية أكبر .
"الذكاء الاصطناعي: أداة التزييف، وأداة الكشف."
تلعب الأقمار الصناعية دورًا مهمًا كأداة إثبات داعمة في دحض الأدلة المرتبطة بالتموقع الجغرافي والتوقيت، لكنها ليست حلاً شاملاً لكشف جميع أنواع التزوير الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي، خاصة مع تطور تقنيات التزييف العميق.
لذلك، أصبح من الضروري الجمع بين التحليل الجنائي الرقمي، والذكاء الاصطناعي، وتقنيات المراقبة الفضائية لضمان دقة الأدلة وكشف التلاعب بفعالية، مما يعزز مصداقية التحقيقات الجنائية.
دراسة حول استخدام الذكاء الاصطناعي وصور الأقمار الصناعية في مكافحة الجريمة المنظمة:
نشرت مجلة “JLR” في يونيو 2024 دراسة تناولت كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي مع صور الأقمار الصناعية لتعزيز الأمن ومراقبة الجناة، مشيرة إلى التعاون بين وكالة “ناسا” وشركة “جوجل” في هذا المجال.
توظيف الذكاء الاصطناعي في محاربة الجريمة المنظمة:
أشار المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات إلى أن العصابات الإجرامية تستخدم صور الأقمار الصناعية لتشكيل شبكات دولية وإدارة طرق التهريب باستخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي، مما يستدعي استخدام التقنيات نفسها لمكافحة هذه الجرائم.
خلاصة
على الرغم من أن الأقمار الصناعية آداة قوية للتحقق، تظل الحقيقة أحيانًا رهينة التفسير والتأويل،مما يفرض ضرورة الحذر عند اعتمادها كأدلة قاطعة في القضايا الجنائية، وأهمية تكاملها مع وسائل تحقيق أخرى لضمان العدالة.
أما الذكاء الاصطناعي، فرغم قدرته الهائلة على التزييف، يبقى الأداة الأشد ذكاءً في كشف الخداع، حيث يصبح سلاحًا لكشف زيفه بنفس الدقة التي يخلق بها الوهم .
للاطلاع على دور الأقمار الصناعية في الإثبات الجنائي يرجى زيارة :