Partager sur :

العقوبات البديلة خلال فترة الحجر الصحي


 السيدة ليلى الزعروري، متخصصة في مجال الطيران، وباحثة في الأدلة الجنائية الفضائية، وتهتم بالشؤون القانونية والإصلاح القضائي. جنيف، سويسرا.

 

📍جنيف، سويسرا
 

في المحور المتعلق بدور الأقمار الصناعية في كشف شهود الزور، تقاسمت معكم تجربة شخصية ميدانية، استعنتُ فيها بأراضٍ فلاحية تعود لعائلتي، واستخدمت صور الأقمار الصناعية عبر Google Earth وتقنيات الرصد الفضائي لقياس المسافات وتحديد الحالة الجوية، لإثبات استحالة الرؤية في لحظة معينة، ما مكّنني من تقديم دليل جنائي علمي وموثوق.

وفي محور آخر حول من يمتلك القدرة على كشف زيف الأدلة الجنائية الناتجة عن الذكاء الاصطناعي، قدّمتُ أيضًا تجربة عائلية ملموسة، سعيًا لتجسيد الواقع المعقّد الذي تطرحه هذه القضايا التقنية.

واليوم، أجدني أعود من جديد إلى التجربة كمدخل أساسٍ للنقاش، وهذه المرة في موضوع العقوبة البديلة. أقدّم تجربتي الشخصية مع هذا النوع من العقوبات خلال فترة الحجر الصحي زمن جائحة كورونا في سويسرا، حيث لم يكن الحدث مجرد مخالفة عابرة، بل مناسبة للتفكر العميق في فلسفة العدالة، وحدود القانون، ومدى فعالية العقوبات الإصلاحية في مواجهة السلوك اليومي.

إنني أومن أن النقاش القانوني لا يكتسب قوّته إلا حين يُبنى على تجارب حقيقية. لذلك، لا أعتمد في تحليلاتي على الخطابات النظرية وحدها، بل أحرص دومًا على الانطلاق من المعيش، لأن ما يُعاش بصدق هو ما يُناقَش بعمق.

تجربة شخصية مع العقوبات البديلة خلال جائحة كورونا في سويسرا

أثناء جائحة كوفيد-19، تعرّضتُ لعدة عقوبات بديلة نتيجة مخالفتي أحيانًا لقانون الحجر الصحي، الذي كان يمنع مغادرة المنزل دون سبب ضروري. وبما أن الجالية العربية في سويسرا تُعد قليلة جدًا، كان من الصعب العثور على بعض المنتجات الأساسية التي أحتاجها، مثل اللحم الحلال أو النعناع، مما كان يدفعني أحيانًا إلى عبور الحدود نحو فرنسا لتوفير هذه الحاجيات.

 

في إحدى المرات، قررت دخول فرنسا فقط من أجل شراء باقة نعناع لا يتجاوز ثمنها 2.50 يورو. وعند عودتي إلى جنيف، أوقفتني شرطة الحدود، وسألتني عن سبب مغادرتي للأراضي السويسرية، فأجبت بصراحة أنني كنت فقط بحاجة لشراء النعناع. فأُبلغت أنني خالفت القانون، وتقرر تغريمي 1000 فرنك سويسري، مع خيار دفع المبلغ على الفور أو في غضون أسبوع، وإلا سترتفع الغرامة إلى 1500 فرنك. ففضلت دفع 1000 فرنك مباشرة لتفادي الزيادة.

وفي واقعة أخرى، خرجت لشراء اللحم، وتم توقيفي أيضًا عند عودتي. نظرًا لتكراري لنفس الخطأ في خرق قانون الحجر الصحي، تم تطبيق غرامة أعلى عليّ بلغت 1600 فرنك سويسري، وذلك بسبب اعتباري في حالة عود.

وفي هذه الحالة، شكّلت العقوبة البديلة وسيلة فعّالة للردع، حيث تم تشديد الغرامة عند حالة العود، مما أظهر كيف يمكن لهذه الآلية أن تجمع بين الطابع الإصلاحي والصرامة المالية عند تكرار المخالفة، دون الحاجة إلى اللجوء إلى العقوبات السالبة للحرية.

 

هذه التجربة الشخصية كشفت لي بشكل مباشر كيف أن العقوبات البديلة تُطبّق بشكل فعّال حتى في المخالفات البسيطة، ولكنها تحمل أبعادًا متعددة:

  • من جهة، هي وسيلة لضبط سلوك الأفراد وردع المخالفين دون اللجوء إلى السجن.
  • ومن جهة أخرى، تُساهم ماديًا في دعم خزينة الدولة، حيث تُحوَّل هذه الغرامات إلى موارد عمومية، مما يجعل العقوبة البديلة ذات فائدة مزدوجة: تربوية واقتصادية.
     

أما على صعيد الاقتصاد، فإن العدالة التصالحية تلعب دورًا محوريًا في تخفيف الأعباء المالية على النظام القضائي ومرافق السجون، حيث يقلل اللجوء إلى العقوبات البديلة من عدد المحكومين بالسجن ويخفض التكاليف المرتبطة بإعالة السجناء وصيانة المنشآت السجنية. كما تساهم هذه العدالة في تحسين استغلال الموارد المالية عبر توجيه الغرامات والعقوبات المالية نحو دعم خزينة الدولة وتمويل برامج إعادة التأهيل الاجتماعية.

 
 أولا : العدالة التصالحية المؤسساتية 

إن خرق التدابير القانونية المرتبطة بالحجر الصحي لا يُعدّ مجرد مخالفة فردية، بل يمثل مساسًا بالنظام العام وتهديدًا مباشراً للمصلحة العامة، ما يجعل المجتمع في مجموعه هو الطرف المتضرر من هذا السلوك. وبما أن النيابة العامة تمثّل الحق العام، أي مصالح الدولة والمجتمع، فإن العلاقة القانونية في هذه الحالة لا تقوم بيني وبين شخص متضرر، بل تنحصر بيني، بصفتي الفرد المخالف، والنيابة العامة بصفتها الممثل المؤسسي للمجتمع.

فالنيابة العامة، بصفتها جهازًا مؤسساتيًا لا تمثل فردًا أو جهة خاصة، إنما تمثل المجتمع ككل، وتضطلع بمهام تتجاوز حدود الاتهام، لتشمل كذلك الحرص على تحقيق العدالة والإنصاف، عبر تقدير ملاءمة المتابعة والبحث عن البدائل القانونية الممكنة في ضوء طبيعة الفعل المرتكب.

وبالتالي، فإن خرق القانون الذي يُخلّ بالنظام العام ، كحال خرق الحجر الصحي، يُرتّب مسؤولية تجاه المجتمع، ويجعل النيابة العامة الطرف المخوّل للتفاعل مع هذا الخرق، من خلال آليات قانونية مناسبة.

في حالتي الخاصة، تجسدت العدالة التصالحية المؤسساتية في الوصول إلى تسوية قانونية مباشرة بيني وبين النيابة العامة (باسم المجتمع)، دون اللجوء إلى المسار القضائي التقليدي

 
تانيا : العدالة التصالحية بين الأفراد

في المقابل، تأخذ العدالة التصالحية شكلًا مختلفًا حين يتعلق الأمر بنزاعات ذات طابع شخصي أو مدني أو حتى جنائي، حيث يكون الضرر موجهًا إلى شخص أو جهة خاصة. ففي هذه الحالة، تتيح العدالة التصالحية فرصة للطرف المتضرر لتعويض سريع وفعّال، دون الاضطرار إلى سلوك المساطر القضائية المطولة والمكلفة.

وتهدف هذه المقاربة إلى إعادة بناء الثقة بين الأطراف المتنازعة، وتقليص حدة التوتر الاجتماعي، بما يساهم في تعزيز السلم الأهلي والاستقرار المؤسساتي. كما أن تسوية النزاع عن طريق التصالح تُسهم في تقليل الأعباء على المحاكم، وتُشجع على إشاعة ثقافة الوساطة والحلول البديلة، مما يُعزّز بيئة قانونية واقتصادية أكثر استقرارًا وأمانًا.

ومن ثَم، فإن العدالة التصالحية بين الأفراد ليست فقط وسيلة لحل النزاعات، بل تُعد أيضًا رافعة حقيقية للاستقرار المجتمعي والنمو الاقتصادي، من خلال الحد من الخسائر المرتبطة بالصراعات القضائية وتعزيز روح التعاون داخل المجتمع.

العدالة التصالحية نوعان
. العدالة التصالحية الفردية : و هي تفاهم قانوني بين فردين  
. العدالة التصالحية المؤسساتية: وهي تفاهم قانوني بين طرفين
   . الفرد يعترف بمسؤوليته.
   . النيابة تقترح تسوية باسم الصالح العام.
   . القضاء يراقب أو يُقرّ هذا الاتفاق في بعض الحالات.

في سويسرا، فور وقوع خرق القانون وتوقيف المخالف من قبل الشرطة، تُعرض عليه النيابة العامة تسوية فورية قضائية، غالبًا ما تتمثل في فرض غرامة مالية أو أمر جزائي. وفي حال قبوله لهذه التسوية، يُغلق الملف نهائيًا دون الحاجة إلى إحالة القضية للمحكمة أو إقامة محاكمة.
 

ان العقوبات البديلة لا تعني التساهل، بل هي مسار نحو عدالة تصالحية أكثر توازنًا وفعالية، تنأى عن الحلول العقابية القاسية، وتُشجع على احترام القانون من خلال تحمل المسؤولية بطريقة عملية وواقعية.

وفي ضوء هذه الأبعاد المتعددة للعقوبات البديلة، يبرز سؤال جوهري: هل تفتح أمامنا هذه الآلية أفقًا جديدًا نحو التحول الرقمي القضائي، بما في ذلك توظيف الذكاء الاصطناعي، مما قد يُفضي إلى بناء منظومة عدالة أكثر حداثة وفعالية؟

كما يطرح هذا التوجه تساؤلًا آخر مهمًا في السياق المغربي: هل يمكن أن تُساهم العقوبات البديلة في معالجة إشكالية الخصاص الحاد في الموارد البشرية، خاصة النقص المزمن في عدد القضاة، من خلال تخفيف العبء عن المحاكم والتركيز على القضايا الأكثر أهمية؟

 

 


 

{الجزء الأول : يتبع }
 للاطلاع على مزيد من التفاصيل، المرجو زيارة الرابط التالي:

https://maglor.fr/arabe/tjrbty-m-aldalt-alswysryt-drws-mn-alqwbat-albdylt-fy-zmn-alazmt
 

Partager sur :