
ماكلور - في تحوّل استراتيجي بارز، أعلنت المملكة المتحدة مؤخراً دعمها الصريح لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية، معتبرةً إياه "الحل الأكثر مصداقية وواقعية وقابلية للتطبيق"، لتنضم بذلك إلى الولايات المتحدة وفرنسا، الدولتين الدائمتين في مجلس الأمن اللتين سبقتاها إلى هذا الموقف. بهذا الإعلان، تكون لندن قد حسمت موقفها من أحد أقدم النزاعات الإقليمية في أفريقيا، معززة الزخم الدبلوماسي المتصاعد لصالح الطرح المغربي.
وإذا كانت الرباط قد استقبلت هذا التطور بكثير من الارتياح، فإن الأنظار سرعان ما توجهت نحو الجزائر التي طالما اعتبرت دعمها لجبهة البوليساريو ومطالبتها بـ"تقرير المصير" أحد ثوابت سياستها الخارجية. غير أن رد فعل الجزائر على الموقف البريطاني اتسم هذه المرة بنبرة أقل حدّة، بل إن بيان وزارة الخارجية الجزائرية، في سابقة لافتة، اكتفى بالإشارة إلى أن "المقترح المغربي لم يُعرض على الصحراويين كأساس للتفاوض". ورغم أن هذا الادعاء يتعارض مع واقع توافر المقترح المغربي على الإنترنت ومناقشته في أروقة الأمم المتحدة، إلا أن هذه الإشارة تحمل في طياتها احتمال تحول في الموقف الجزائري، أو على الأقل قبولاً ضمنياً بمناقشة المقترح المغربي كأرضية للتفاوض، ولو من باب المناورة.
التحولات الأميركية... ضغط أم دعم مشروط؟
في موازاة هذا، تزداد المؤشرات على أن المقترح المغربي لم يعد فقط خياراً بين خيارات، بل بات الإطار الوحيد الذي تدعمه القوى الكبرى. الولايات المتحدة، مثلاً، في رسالة صدرت عن وزارة خارجيتها، دعت الأطراف إلى "الانخراط في مناقشات دون تأخير باستخدام مقترح الحكم الذاتي المغربي إطاراً وحيداً للتفاوض على حل مقبول للطرفين"، معتبرة أن "الحكم الذاتي الحقيقي تحت السيادة المغربية هو الحل الوحيد الممكن".
اللافت في هذا التصريح استعمال الخارجية الأميركية للمرة الأولى صفة "الحقيقي" لوصف الحكم الذاتي، وهي إشارة محملة بالدلالات، خصوصاً إذا ما قورنت بورقة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا التي قُدمت في أبريل الماضي أمام مجلس الأمن. دي ميستورا أكد تلقيه ثلاث رسائل من السلطات الأميركية، مفادها: أن الحكم الذاتي يجب أن يكون جادّاً، وأن على المغرب توضيح تفاصيل مبادرته، وتحديد الصلاحيات التي سيتم تفويضها للإقليم، وأن واشنطن مستعدة للانخراط المباشر في جهود الحل.
هل المغرب مطالب بتنازلات جديدة؟
هذا التلاقي بين لغة الخارجية الأميركية وورقة دي ميستورا، بل واستعمال المفردات نفسها، يطرح تساؤلات مشروعة حول المرحلة المقبلة: هل تمهد واشنطن والمبعوث الأممي للضغط على الرباط من أجل تقديم تنازلات إضافية تحت شعار "تجويد" المقترح؟ وهل نحن أمام محاولة لإرساء نموذج حكم ذاتي موسّع قد يُشبه تجربة كردستان العراق؟
لا شك أن المشروع المغربي، كما هو منشور، يقدم صلاحيات واسعة للسلطة الصحراوية المنتظرة، تفوق حتى ما هو مخول للسلطة الفلسطينية في رام الله. فهو يقترح هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية بإمكانها تدبير الشأن المحلي بشكل ديمقراطي، بينما تحتفظ الدولة المغربية باختصاصاتها السيادية، وعلى رأسها الدفاع، والعلاقات الخارجية، والدين، والرموز الوطنية.
لكن السؤال العميق يتجاوز حدود النصوص: هل تقبل البنية المركزية للدولة المغربية كما هي اليوم وجود بنية مستقلة نسبياً داخل ترابها؟ وهل ستتقبل مناطق أخرى داخل المغرب – مثل الريف أو سوس أو الشرق – منح الإقليم المتنازع عليه صلاحيات استثنائية لا تحظى بها هي؟
تفاؤل حذر... وتشظي محتمل
الاحتفاء المتزايد بموجة الاعترافات الدولية المتلاحقة بدعم المقترح المغربي، ورهان البعض على قرب الحسم، يبدو مبرراً من حيث الظاهر. غير أن التفاؤل الزائد قد يخفي تعقيدات حقيقية. فالتجارب التي صنعتها واشنطن في المنطقة العربية – من كردستان العراق إلى شمال شرقي سوريا – لم تُفلح دائماً في إرساء استقرار دائم. وإذا لم يتم التوصل إلى حل متوافق عليه داخلياً، وتستوعبه مكونات الدولة المغربية، فإن الطريق نحو التوتر الداخلي أو العدوى الانفصالية قد يُفتح على مصراعيه.
من هنا، فإن المطلوب ليس فقط حشد الاعترافات الدولية، بل أيضاً تحصين الداخل المغربي بحوار وطني حول طبيعة الحكم الذاتي، وتكريس مبدأ العدالة المجالية في كل الأقاليم، حتى لا يُنظر إلى الصحراء كنموذج "مميز" على حساب باقي المناطق.
خلاصة
المقترح المغربي بات اليوم يحظى بدعم غير مسبوق من القوى الكبرى، لكن هذا لا يعني أن الطريق نحو الحل سالك. فالمعادلة ما تزال معقدة، وتتطلب توازناً دقيقاً بين الواقعية السياسية، والحذر الاستراتيجي، والانفتاح الذكي على كل السيناريوهات، بما فيها تلك التي لا تظهر في العناوين.