FR AR
Partager sur :

الإسلام” الفرنسي بقلم بركاني سلطان

على إثر حملة “الحرب على الإرهاب” التي أعلن عنها جورش بوش الابن، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001م التي أميط اللثام عن حقيقتها وكشفت أسرارها وتبيّن أنّها كانت مدبّرة لأهداف واضحة؛ برز مصطلح “الإسلام الأمريكيّ”، الذي يشير إلى تلك النّسخة التي أرست أسسَها مراكز الأبحاث الأمريكية، وأرادت الإدارة الأمريكية فرضها على المسلمين في العالم، لتكون النّسخة الوحيدة والمعتمدة للإسلام المسموح به في الشّرق والغرب! نسخة تصهر الإسلام في بوتقة الديمقراطية، وتطمس كلّ ما من شأنه أن يخالف أسس هذه الديمقراطية!

 هذه النسخة، وعلى الرغم من تماهي أكثر الأنظمة العربيّة معها، وسعيها لفرضها في البلدان العربيّة، لتكون النّسخة التي تنسخ الإسلام الحقّ قبيل انقضاء العقد الثّالث من الألفية الثانية، من خلال إطلاق أيدي العلمانيين والليبراليين وتلميع الحداثيين والقرآنيين المتشبعين بقيم الإنسانية الغربية، وتوجيه الأضواء صوب دعاة الإسلام العلمانيّ، وعلى الرغم من محاولة استغلال أخطاء بعض الجماعات المتشدّدة لتشويه الإسلام؛ على الرغم من كلّ هذا، إلا أنّ هذه النّسخة وبعد مضيّ عقدين من الزّمان، فشلت في تصدّر المشهد، وفشلت في إطفاء شعث الغربيين لمعرفة حقيقة الإسلام، كما فشلت قبل هذا وذاك في فتنة عامّة المسلمين الذين زادهم فشل الأنظمة العلمانية وطغيان الأنظمة الغربية قناعة بأنْ لا مخرج للأمّة من مرحلة الذلّ والاستضعاف إلا بالعودة إلى الإسلام الحقّ الذي يحرّم الظّلم والعدوان، وفي الآن ذاته يحرّم الذلّ والخنوع، الإسلام الذي يزاوج بين المعقول والمنقول، وبين العلم الشّرعيّ والعلم الكونيّ.

مع فشل النّسخة الأمريكية، يبدو أنّ أصحاب القرار في المحفل العالميّ، اختاروا استلام راية الحرب على الإسلام، من اليد الأمريكية، لوضعها في اليد الأوروبية، ويظهر أنّ فرنسا صاحبة التاريخ الطّويل في الحرب على الإسلام والمسلمين، تريد أن تجرّب حظّها، وتتصدّر التجربة الجديدة، معتمدة في ذلك محاولةَ استفزاز المسلمين وجرّهم إلى ردود أفعال غير مدروسة في الدول الأوروبية والغربية، ومن ثمّ يجنّد الإعلام لاستغلال ردود الأفعال تلك في تشويه صورة المسلمين والإسلام وإيجاد الذّرائع الكافية لمحاصرة الإسلام في الغرب والحدّ من انتشاره، وتصويره على أنّه الخطر القادم على أوروبا والذي تنبغي مجابهته بكلّ قوة.. كما تعتمد الاستراتيجية الفرنسية أيضا على محاولة إطفاء جذوة الحماس والغيرة التي لا تزال متّقدة في قلوب أكثر من مليار ونصف المليار مسلم لدينهم ونبيّهم وكتابهم، من خلال تكرار الإساءات المبتذلة إلى رموز المسلمين والتشكيك بكلّ جرأة وصفاقة في دينهم، وتتوقّع الاستراتيجية أنّ المسلمين مع مرور الوقت ومع تجنّد لفيف الدعاة العلمانيين في أوروبا وفي بلاد المسلمين لتخطئة وتسفيه أيّ ردّ فعل يبدر من المسلمين ولو كان إدانة أو شجبا أو غضبا أو مقاطعة! ستألف قلوبهم الإساءة إلى مقدّساتهم، لتصبح أمرا عاديا، وبذلك يخبو الحماس للدّين وينطفئ الغضب لمقدّسات الأمّة.

فرنسا الآن، لن يروي غليلها رسّامو شارلي إيبدو، إنّما ستبحث في كلّ الزّوايا والخبايا والسّراديب في أوروبا وفي بلاد المسلمين عن أصحاب النّفوس الجامحة المتطلّعين إلى الشّهرة على طريقة ذلك الرّجل الذي بال في بئر زمزم ليشتهر بين النّاس، ستبحث عن هذا الصّنف بين المحسوبين على الإسلام، لتكون المهمّة القذرة أسهل وأسرع وأوقع! وهؤلاء لا يخلو منهم بلد، وربّما سيكونون في الأشهر والسّنوات القادمة ملء عين الإعلام الغربيّ –وخلفه العربيّ- وسمعه، أكثر من أيّ وقت مضى، في إطار ما يسمّى ترسيخ “حرية التعبير” التي يقدّسها الغرب عندما يكون التعبير ضدّ المسلمين، لكنّه يضع على طريقها خطوطا حمراء عندما يتعلّق الأمر يكون التعبير مضرا بمصالح الغرب أو بالصهيونية العالمية.. وستكون الأنظمة العربية ملزمة بتلميع المنتدبين للمهمّة القذرة وحمايتهم أمنيا وقانونيا.

على هامش زيارة الرئيس التونسيّ، إلى فرنسا، أواخر شهر جوان من العام الجاري (2020م)، أقام الرئيس الفرنسيّ “ماكرون” مأدبة عشاء على شرف “قيس سعيد”، وكان لافتا أنّ الرئيس الفرنسيّ حرص على استضافة أسماء تونسية اشتهرت بإساءاتها المتكرّرة إلى دين الأمّة ونبيّها، على رأسها كاتبة تونسية شكّكت إن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- شخصية حقيقية في التاريخ أم إنّه مجرّد خرافة! وأساءت إلى كبار الصّحابة.. ولعلّ في حضور هذه المتجرّئة مأدبةَ عشاء خصّ بها الرئيس التونسيّ رسالة موجّهة إلى قيس سعيد وإلى حكام الدول العربية السابحة في الفلك الفرنسيّ أنّ الحظوة لدى “الإليزيه” تمرّ عن طريق تكريم هذه الطّينة من التّافهين واللاهثين خلف الإثارة والأضواء!

Partager sur :