
تحقيق صحفي …
إعداد: م-ن – Maglor
في قلب التحولات الجذرية التي يشهدها العالم الرقمي، وفي زمن يحتدم فيه السباق على امتلاك مفاتيح المستقبل، يبرز اسم الدكتور وديع أيت حمزة، ليس فقط كعالم مغربي ناجح، بل كرمز لتقاطع معقد بين الهجرة، والذكاء الاصطناعي، واستراتيجية الانتقال من التخوم الجغرافية إلى مراكز القرار التكنولوجي العالمي.
لم يكن صعوده مجرد مصادفة، بل نتيجة منظومة قيمٍ وجغرافيا شخصية متجذّرة في مناطق المغرب المنسية. فقد تم تعيينه عميدًا لجامعة متخصصة في الذكاء الاصطناعي بإمارة أبو ظبي في ماي 2025، ليتحول بذلك إلى أحد أبرز الأصوات الأكاديمية المؤثرة في مشهد الذكاء الاصطناعي العربي والعالمي.
ينتمي الدكتور وديع إلى جيل من الكفاءات المغربية التي خرجت من رحم الهامش، وتحديدًا من قرية صغيرة في تخوم قلعة مكونة، تلك المنطقة التي كثيرًا ما تُختزل في عبارات السياحة والورد، بينما تختفي خلف الجمال الطبيعي صراعات يومية مع البنية التحتية المتآكلة، والفقر البنيوي، ونقص العدالة المجالية.
هذه البيئة، بدل أن تجهض الحلم، شكّلت مِحرَكًا مبكرًا لصناعة مقاوم شرس في وجه الإقصاء. لم تكن الرباط، حيث وُلد، سوى مرحلة لاحقة في حياة انطلقت من حيث لا أحد ينتظر أن يخرج قادة المستقبل.
للقصة أبعاد أعمق من مجرد نجاح فردي. والد الدكتور وديع، الأستاذ الجامعي المعروف الدكتور محمد أيت حمزة، هو بدوره خريج مدرسة الكفاح الصامت. بدأ من “المسيد”، ثم اجتاز محطات مضنية في بومالن دادس وورزازات، قبل أن يستقر بالرباط باحثًا ومؤثرًا في مجال الجغرافيا القروية.
ليس الأمر هنا متعلّقًا فقط بتأثير الأب الأكاديمي، بل بـ بنية عائلية غرست في ابنها أن الشهادة ليست هدفًا، بل أداة لتغيير شروط الانتماء.
قبل تعيينه عميدًا بأبو ظبي، شغل الدكتور وديع منصبًا مرموقًا في أوروبا، حين تقلد رئاسة منتدى القادة العالميين الشباب في سويسرا، وهو محفل دولي يحظى بمتابعة الحكومات ومراكز التفكير والشركات الكبرى، ويُعتبر مختبرًا لتفريخ نخب التأثير في السياسات المستقبلية.
تجربته هناك لم تكن مجرد واجهة، بل مساحة فعل حقيقي، حيث كان حاضرًا في نقاشات تتعلق بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي، والهندسة التعليمية، والحكامة الرقمية. انتقاله إلى أبو ظبي لم يكن هروبًا من الغرب، بل رهانًا على الإمكانيات العربية المتزايدة في التكنولوجيات الناشئة.
من خلال تتبع برامجه الأكاديمية ومقالاته العلمية، يظهر أن الدكتور وديع لا يرى الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تقنية، بل مسارًا لتحرير المجتمعات من الفقر المعرفي واللامساواة الرقمية. وهو ما يفسر تركيزه على مشاريع تدمج البيانات والتنمية والتعليم، وحرصه على أن يكون الذكاء الاصطناعي مدخلاً لإنصاف الفئات التي تم تهميشها من قبل السياسات العمومية الكلاسيكية.
ما يميز قصة الدكتور وديع أيت حمزة ليست أوسمته ولا ألقابه، بل وفاؤه للذاكرة القروية التي انبثقت منها هويته. ففي أكثر من مناسبة، عبّر على لسان والده الدكتور محمد آيت حمزة عن اعتزازه بأصوله، رافضًا خطاب “الانفصال الرمزي” الذي يُجبر أبناء القرى على إخفاء لهجاتهم أو التبرؤ من تربتهم الأولى.
لقد صاغ نجاحه ضمن رؤية مزدجة منها الانغراس في البيئة العالمية دون التنصل من الانتماء المحلي. وهذه معادلة نادرة، تجعل منه نموذجًا للجيل الجديد من الكفاءات المغربية التي تتقن التنقل بين المراكز دون أن تنسى الهامش.
رغم حجم إنجازه، فإن قصة الدكتور وديع أيت حمزة لا تحظى بالحجم الذي تستحقه في الإعلام الوطني المغربي. ربما لأن الرجل ليس من أصحاب الاستعراض، أو لأنه لا يدخل في أجندات التوازنات السياسية المحلية. لكن الأكيد أن مسيرته تكشف عن سؤال أعمق:
لماذا لا نُكرم الكفاءات إلا بعد هجرتها؟ ولماذا لا يجد أمثال وديع فضاءً يُشبههم داخل الوطن؟
في زمن تعاني فيه البلاد من نزيف الأدمغة وغياب النماذج الملهمة، تفرض تجربة وديع أيت حمزة نفسها كتذكير مؤلم بإمكانيات مهملة، وبأن المعركة من أجل التغيير تمر أحيانًا عبر قاعات الدرس أكثر من قاعات البرلمان.
تحقيق.. من إعداد م-ن | ماكلور – 2025
جميع الحقوق محفوظة
©️ Maglor.fr | Mohammed Nouri