اليوم الثلاثاء، وفي خطوة تاريخية، صوّتت المملكة المغربية ولأول مرة بالإيجاب على قرار الإيقاف العالمي لتنفيذ عقوبة الإعدام أمام اللجنة الثالثة للأمم المتحدة، وهي “الخطوة الأولى نحو إلغاء عقوبة الإعدام”. ويأتي ذلك تنفيذا لما وعد به وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، الشبكات الوطنية المدافعة عن الإلغاء، حين كان يُدافع من داخل القبّة عن “حقوق الإنسان والحريات العامة والحق في الحياة”.
هذا التحرّك كان مدرجا ضمن توصيات المجلس الوطني لحقوق الإنسان لسنوات؛ فيما كانت الرباط تختار الامتناع عن التصويت منذ عرض القرار في أجندة الجهة الأممية أول مرة سنة 2007. كما أن الائتلاف المغربي ضد عقوبة الإعدام والشبكات الأخرى المساندة لطرح الإلغاء تمسكت بمطالبة المغرب بالكفّ عن موقف الامتناع، “حتى ينسجم البلد على الأقل مع الموقف غير الرسمي، إذ لم ينفذ الإعدام قبل أكثر منذ ثلاثين سنة”.
الدولة المغربية تستجيب، أخيراً، لمطلب مُلح ظل مرفوعاً وتبعثُ إشارات مطمئنة إلى الديناميات الحقوقية المغربية، التي تدافع عن حقوق الإنسان في بعدها العالمي والكوني، بأن “مطلب الإلغاء التام ليس بعيداً”، وهو ما عبر عنه حقوقيون حضروا في فضاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان لـ”توثيق لحظة خاصة بمناسبة تصويت المملكة المغربية على القرار”، معتبرين أن “تنصيص الدستور على الحقّ في الحياة ثمرة أصليّة في هذا النقاش المجتمعي”.
خيارات واضحة
وبعد تلقي نتائج التصويت وبروز اللائحة التي تضمّ اسم المملكة المغربية لأول مرة ضمن المصوّتين، قالت أمينة بوعياش، رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، في تفاعل مع سؤال لـ”احدى الجرائد الالكترونية المغربية” حول أهمية مؤازرة الدولة المغربية رسميّا لتوصية المجلس، إن “هذا التصويت هو الخطوة والركيزة الأساسية في مسلسل الإلغاء النهائي لعقوبة الإعدام وإبعادها من التشريع”، مضيفةً أن هذه الخطوة كانت منتظرة منذ وقت طويل، وهي تُنصف ترافع المجلس كمؤسسة وطنية، وكذا تنظيمات المجتمع المدني.
بوعياش، التي كانت تتحدث منشرحةً بتحقيق “النصر الأول” في مسار التخلص من العقوبة السالبة للحياة، أفادت أن “اللحظة مهمة، ولا يمكن نهائيًا وبأي شكل من الأشكال التقليل من أهميتها”، مسجّلةً أن “الدفاع عن الحق في الحياة هو دفاع محوري عن بقية الحقوق، التي لا يمكن ممارستها إلاّ من خلال هذا الحق، من قبيل الحق في السكن والتعليم والصحة وحرية التجمع والتعبير والتظاهر”.
وشددت رئيسة المؤسسة الدستورية المعنية بحفظ حقوق الإنسان على أن “هذا القرار يكشف أن الاختيار الرسمي للبلد في مسار احترام وحماية حقوق الإنسان مستمر ومتواصل ولا رجعة فيه”، موضحةً أن “التصويت الإيجابي يساند الاختيارات الرئيسية لبلدنا ومجتمعنا”.
وقالت شارحة: “نحن اليوم نقرّر أن الإنسان المغربي لديه حق معترف به في الحياة؛ وآمل أن ينتهي هذا النقاش قريبًا ضمن مراجعة مدونة القانون الجنائي وبقية القوانين التي تتضمن هذه العقوبة”.
عقوبة وحشية
عبد اللطيف رفوع، رئيس المرصد المغربي للسجون، قال إن “هذه الخطوة تاريخية في أفق الإلغاء النهائي لعقوبة الإعدام”، مبرزاً: “هذا يوم علينا أن نتذكره، فهو يأتي بعد نضال استمر لأكثر من 22 سنة من طرف الجمعيات الحقوقية والشبكات المساندة لطرح الإلغاء”، وزاد: “هذه الخطوة إيجابية نحو الالتحاق بمصاف الدول التي ألغت عقوبة الإعدام في قوانينها الجنائية والعسكرية”.
رفوع ذكر لهسبريس بمناسبة التصويت أن “هذا الالتزام من الدولة المغربية يؤكد أننا نسير في اتجاه إلغاء النصوص القانونية في القانون الجنائي والقانون العسكري التي تقضي بعقوبة الإعدام، على اعتبار أن هذه العقوبة وحشية ولا تتسم بالإنسانية وليست رادعة”، مردفا: “التقارير والملاحظات تؤكد أن عقوبة الإعدام لا تجدي نفعاً سوى في إصدارها دون تحقيق أي أهداف أخرى”.
وأورد المدافع عن إلغاء العقوبة السالبة للحياة أن ما أقدمت عليه المملكة يعدّ “بمثابة إشارة قوية من طرف الحكومة إلى البرلمانيين الذين سيشرعون في مناقشة المسطرة الجنائية، وكذا لاحقاً القانون الجنائي”، وتابع: “هي كذلك فرصة لفتح نقاش مع نواب الأمة ومع المجتمع ككل، على اعتبار أن هذا الموضوع يعد مسألة مجتمعية، وحسمها يعضّد مسار التحاق بلدنا بمصاف الدول التي ألغت عقوبة الإعدام”.
وساند المتحدث الحكومة في هذه “الثمرة الجديدة” التي تقوّي “أنسنة العقوبة”، وقال: “لا ننسى أن وقف تنفيذ عقوبة الإعدام في المغرب بدأ منذ عام 1993، وكان خياراً للدولة دون مرجع قانوني نستند إليه؛ لكن مع تصويت المغرب على ‘الموراتوار’ نعتقد أننا أصبحنا في وضع قانوني لا يسمح بتنفيذ عقوبة الإعدام داخل المؤسسات السجنية، على أن نمهد الطريق نحو المصادقة الفعلية على إلغاء القتل باسم القانون من القوانين المغربية”.