قالت ديوي فان دي ويرد، سفيرة التعاون الثقافي الدولي في وزارة الخارجية الهولندية، إن ما تقوم به الأراضي المنخفضة مع المملكة المغربية في القطاع الثقافي "مهم"، مسجلة أن "المغرب يعد من البلدان التي نوليها أولوية (Priority country)"، لافتة الانتباه إلى أن "ما يجعل المغرب مميزا هو توفره على تراث ثقافي ثقيل وغني ومتنوع وممتد إلى مناطق وأماكن عديدة"، مشددة على أن “هذا الانتشار أساسي ونقطة قوة".
وأوردت فان دي ويرد، في حوار مع احدى الجرائد الالكترونية المغربية بمدينة أوتريخت الهولندية، أن “الاهتمام حاضر وبقوة من كلا الجانبين للعمل معا والمضي قدما في توسيع نطاقات التعاون وإغنائها”، مضيفة أن مشاريع كثيرة جرى تنفيذها على أرض الواقع وكللت بالنجاح”.
وزادت سفيرة التعاون الثقافي الدولي في وزارة الخارجية الهولندية: “هذا بفضل جدية المسؤولين الثقافيين بالمغرب والرغبة الواضحة في التعاون التي يصر عليها البلدان معا”.
نص الحوار:
أريد أن نبدأ النقاش بعرض (MODA) حول “أقول الموضة المغربية”. ما هو استنتاجك عن هذا المجال في المغرب، بعد الوصول إلى مرحلة العرض؟
سأكون صادقة معك، هذا المعرض ألهمني كثيرا؛ لأنه يميط اللثام عن أهمية الموضة والأزياء والفن عموما في كلاَ البلدين: المملكة المغربية ومملكة الأراضي المنخفضة.
ويسعدني في الحقيقة أن لدينا الكثير من المواهب الشابة الموجودة هنا في هولندا من أصول مغربية. هم حاضرون في مختلف مناحي الحياة هنا. ونحن سعداء أن عامة الذين حضروا للمعرض نظروا إلى هذه الأعمال بالكثير من التقدير.
وأنت تعرف أن الموضة في المغرب ليست شيئا طارئا؛ والواضح أن العديد من الفنانين والمصممين يمنحونها أهمية كبيرة للغاية. لقد اندهشت حقيقة بهذه القدرة على استيعاب مختلف التقنيات واستخدامها، وما يميز هذه الموضة التي أبدعها فنانون مغاربة ومن أصول مغربية هو هذا الدمج الذي تم ببراعة بين التقنيات التقليدية ونظيرتها المعاصرة؛ خصوصا من خلال الاشتغال بالنسيج، وغيره من التراث المغربي… وأتصور أن هذا مثير جدا للاهتمام.
يعد المغرب شريكا أساسيا لهولندا من حيث التعاون الثقافي. ما هي المكانة التي تشكلها المملكة المغربية بالنسبة لأمستردام في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط؟
لدينا عمل مهم نقوم به مع المغرب في السياق الثقافي، ونعد هذا البلد مهما ومن البلدان التي نوليها أولوية (Priority country). وما يجعل المغرب مميزا هو أشياء عديدة يختلف بها عن بلدان أخرى في المنطقة التي ذكرت مع أنه قد يتقاطع معها في أخرى. المملكة المغربية تتوفر على تراث ثقافي ثقيل وغني ومتنوع وممتد إلى مناطق وأماكن عديدة. هذا الانتشار أساسي ونقطة قوة. ولذا، فثقافة المغرب، حتى أوضح، لا ننظر إليها على أنها أزياء فحسب؛ بل نحن على دراية بأن الأمر أكبر وأعمق وحاضر في أوجه ثقافية كثيرة، منها الحرف اليدوية التي يمكن التعاون فيها لتسليط الضوء عليها وتثمينها والتعرف عليها.
المغرب مميز على مستوى عملنا الثقافي الخارجي أيضا؛ لأننا لدينا ـ كما قلت منذ قليل ـ جالية مهمة من أصول مغربية لديها امتداد حقيقي يؤثث مشهدنا الثقافي في الأراضي المنخفضة. ومن ثم، نتصور أن هذا المعطى لا يمكن أن ينسحب من نقاشنا. وأضف إلى ذلك، هذه الحركية الموجودة على المستوى الفني وهذه التبادلات والحوارات بين البلدين التي تتم انطلاقا من بوابة ناعمة وقوية هي الثقافة. هناك إلهام متدفق ومؤثر في الجانبين معا. وعليك أن تعرف أن السياق الأدبي في المغرب يمثل لدينا شيئا ثمينا يستحق التعاطي معه.
نود أن نعرف، إذن، مستوى التنسيق مع الجهات الوصية على القطاع الثقافي داخل المملكة المغربية.. هل تلمسون حماسا كبيرا على مستوى الفاعلين الرسميين وغير الرسميين بالبلد للاستفادة من تجربة دولة أوروبية على غرار هولاندا، طبعا في إطار تعاوني وندي؟
دعني أكون صريحة معك، أرى أن هناك اهتماما مسجلا من كلا الجانبين للعمل معا والمضي قدما في توسيع نطاقات تعاوننا وإغنائها. وهذا يمكن أن نقدم له دليلا متجسدا في ما نجحنا في القيام به معا. العديد من المشاريع تم إنجازها بنجاح بفضل جدية المسؤولين الثقافيين والرغبة الواضحة لي اتعاون. ولذلك، نحن، على سبيل المثال، نجري، حاليا، تبادلا للخبرة في نطاق العاملين في المؤسسات المتحفية في المغرب وهولندا. هم يقدمون تدريبات لبعضهم البعض. جاء فريق من المغرب، والآن في غضون أسابيع سيذهب فريق آخر إلى هناك.
هذا التعاون يسعدنا، وأود التذكير في هذا السياق بأن فريقا هولنديا يتجه نحو مراكش العام المقبل للتعرف على التراث الشفوي، خصوصا “الحلقة”. وأضف إلى ذلك، أن متحف “كوبرا” الشهير في أمستلفين، شمال البلاد، استقبل، في أبريل 2022، أعمال العديد من الرواد المغاربة؛ ضمنهم محمد المليحي والشعيبية طلال وفريد بلكاهية… إلخ، فضلا عن فنانين من الرعيل الجديد. كان العرض يحمل عنوان “القصة الأخرى.. الحداثة المغربية”.
وفي إطار مواصلة الحوار في مجال التعاون على مستوى المتاحف، فإن أعمالا فريدة خصصها متحف “كوبرا” تتجه، هذا الأسبوع، نحو متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط. وهذا التعاون الناجح لا يوجد فيه الفاعل الثقافي كمبادر فقط؛ بل الأمر يمتد إلينا نحن الفاعلين على المستوى السياسي، أي كحكومات وبصفة رسمية. ولا أخفيك سرا أننا عملنا بجد، في السنوات الماضية. وأعوّل على هذه الشراكة لتستمر.
أشرت، منذ قليل، إلى نقطة مهمة؛ وهي أن التعاون الثقافي مهم أيضا لاستيعاب التنوع والاختلاف وتقوية العيش المشترك. لديكم في هولاندا جالية مغربية مهمة، هل هناك توجه واضح لحماية الثقافات الوافدة إلى العيش داخل مختلف مدن هولاندا، لاسيما المغاربة؟
حماية جميع الجاليات وتثمين تراثها وثقافتها لتندمج أكثر في المجتمع الهولندي أمر يهمنا؛ والتعاون الثقافي يكرس هذا الأمر بشكل مباشر أو غير مباشر. نحن نسعى، من خلال هذه الجالية المغربية، إلى أن نخلق مساحة تسمح بازدهار الشعبين معا وتفسح الطريق أمام أن يكشف كل توقيع حضاري عن نفسه ليتعاوَنَا. هذا يجعلنا في مرحلة جد متقدمة. ونحن لدينا كتّاب وفنانون مغاربة لديهم مكانة خاصة في المجتمع الهولندي؛ مثل عبد القادر بنعلي، إلخ.
الكثير من الفنانين المغاربة والكتّاب يأتون إلى المسرح الهولندي ويجلبون معهم روح الدعابة الخاصة بهم، أو ينشرون في مجتمعنا كتاباتهم التي لا تقل أهمية. هذا يشكل مزيجا من حياتهم، التي هي الآن تقع في هولندا؛ ولكن جذورها في المغرب. الأمر يشكل قيمة مضافة تجعلنا جميعا تواقين إلى اكتشاف أشياء جديدة وكيف أن ثقافتنا قادرة على التعايش معها.
تعرفين أن المغرب وهولاندا مرا، خلال زمن انتعاش الجائحة، بمرحلة تصدع سياسي؛ وتم بالطبع تجاوزها حين جرى توقيع اتفاقية تعاون في يوليوز 2021.. خلال فترة “البرود الدبلوماسي”، هل ظل التعاون الثقافي متواصلا في تلك الفترة أم أنه تأثر أيضا نتيجة ذلك الجفاء؟
كما تعلم، فهذا أمر جد طبيعي في العلاقات، بما فيها الدولية. تكون أحيانا قريبا، وأحيانا أقل قربا. هذا يحدث حتى بين الأصدقاء. والتعاون بيننا لم يتأثر. وما أجده مهما لإثارته هنا هو أننا بلغنا مرحلة جد متقدمة من التعاون. ولا تنسى أن العلاقة بين البلدين عمرها أزيد من 400 عام؛ ما يعني أنها متماسكة وقوية وجذورها متراصة. ويجب ألا نفكر، ولو لوهلة، أن عملنا شهد تشويشا؛ فقد تواصلت الزيارات المرتبطة بالمجال الثقافي، وكانت هناك إقامات للفاعلين في الحقل الثقافي في كلا البلدين. وقد عقدنا شراكة متعلقة بالأدب. فنحن لم نتوقف قط عن التبادل ثقافيا.
تعرفين أن الثقافة الفرنكوفونية هي الوجه الأوروبي الحاضر في المغرب، رغم العناد المتواصل الذي يرفض هذه “الهيمنة”. وتوجد إلى جانبها الإسبانية والإنجليزية حديثا؛ لكن بوجود أقل بالنسبة لثقافة الأراضي المنخفضة. أيوجد لديكم تصور لتعزيز حضور الثقافة الهولندية في المغرب؟
ما نقوم نحن به لا نظهره على نحو كثيف. استراتيجيتنا أيضا ألا نبدو في المشهد كثيرا؛ لكن ما نراهن عليه هو أشياء مختلفة، فنحن نود مثلا أن يكون لدينا تعاون ثقافي على مستوى جميع أنحاء المغرب، وليس فقط في العاصمة الرباط. نراهن على طنجة والدار البيضاء ومراكش وفاس، وكذلك في مناطق مختلفة، حتى في المناطق الجبلية وفي الريف. نحن نوزع ما نقوم به، والذي ربما، نتيجة لذلك، يجعلنا أقل ظهورا في المشهد الثقافي المغربي. لكننا لا نهتم بذلك حقا، بقدر ما نسعى إلى تحقيق التعاون على الأرض.
وما نراهن عليه بالضرورة هو منح الفرصة لمجموعة متنوعة من الناس للحديث. ويعثرون على مساحة في عملنا، خصوصا الفنانين الشباب، والنساء أيضا. فنحن لدينا سياسة تهم المرأة وتتطلع إلى التوعية أكثر بحقوقها. لهذا، أتصور أنه من المهم بالفعل منح فرصة التكلم للفنانات والكاتبات والفاعلات في الحقل النسائي. هذه خياراتنا. والمعهد الهولندي بالمغرب (نيمار) يقوم بعمل جد مشرف إلى جانب السفارة الهولندية بالرباط، الذي يعبر حقا عن ما نود أن نقدمه في المملكة المغربية الصديقة.
مقاطعا: لكن مغاربة كثيرون من تلقاء أنفسهم صاروا يتعلمون لغتكم..
معك حق. ولذلك، أود التذكير بأن لدينا سياسة أيضا في هذا الباب يتحكم فيها تعاوننا في المجال الأدبي؛ وفي مجال الترجمة كذلك. العديد من الكتب التي حررها مغاربة ترجمت إلى اللغة الهولندية ورائجة هنا. كما أن كتب مواطنين من الأراضي المنخفضة انتقلت إلى العربية عبر مغاربة وهي منتشرة. وحتى حضورنا في النسخة الأخيرة من المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، التي أقيمت في ماي المنصرم، كان دوره الترويج أكثر لثقافة هولندا ولغتها الوطنية. ونحن نقدر هذا الانخراط وهذا الاهتمام الذي يبديه المغاربة بشكل كبير نحونا.