في كتابه « مسار محارب، مثل الأب مثل الإبن »، يروي الزبير الملطي، المنحدر من مدينة لو كريزو الفرنسية، قصة حياة مليئة بالتحديات، تميزت بالظلم والنضال المستمر ضد التمييز. هذه السيرة الذاتية شهادة قوية على صعوبة الاندماج في فرنسا، رغم المؤهلات العالية والإرادة الراسخة.
البحث عن الاندماج: قصة مسار فريد
تبدأ القصة في عام 1998، عندما يغادر الزبير الملطي، الشاب المغربي الحاصل على شهادة البكالوريا، مدينته الأم تطوان متجهاً نحو فرنسا. كان والده، وهو جندي سابق في الجيش الفرنسي، قد صوّر له هذا البلد على أنه أرض المساواة والعدالة. إلا أن هذا الحلم سرعان ما اصطدم بواقع مغاير تماماً.
يعود الكاتب بحنين إلى طفولته في المغرب، التي تميزت بالانفتاح والتسامح، قبل أن ينتقل إلى وصف وصوله إلى فرنسا. منذ البداية، واجه نظاماً تُسيطر عليه الأحكام المسبقة والصور النمطية التي أثرت على فرصه في النجاح. بين السكن الداخلي، والدراسات العليا، والتدريبات الأولى، يروي العقبات التي واجهها: سلوكيات غير عادلة من بعض الأساتذة، مواقف مزعجة، وصعوبات في إيجاد توازن بين الحياة الدراسية والاندماج الاجتماعي.
النضال ضد التمييز
يرتكز الكتاب على النضال الذي خاضه الكاتب ضد التمييز في التوظيف. فرغم حصوله على شهادات في الرياضيات والهندسة الكهربائية، وهو مجال يشهد طلباً كبيراً، واجه الزبير الملطي رفضاً متكرراً. بعض الردود، التي كانت غير منطقية أو تمييزية، عكست نظاماً يكرّس الصور النمطية بدلاً من تقدير الكفاءات.
في خطوة شجاعة، قدّم شكوى ضد ثلاث مؤسسات تعليمية بتهمة التمييز في التوظيف. يُبرز هذا الجزء الأساسي من القصة تصميم الكاتب على عدم الاستسلام أمام الظلم.
السياق الاجتماعي والسياسي
تُجذّر السيرة الذاتية في التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها فرنسا خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. يتحدث الكاتب عن الهجمات الإرهابية، وخاصة هجوم شارلي إيبدو، وتأثيرها على المجتمعات المسلمة. كما يستعرض تنامي الإسلاموفوبيا، التي تغذيها الخلط بين الدين والإرهاب، وما نتج عنها من وصم وتمييز.
لا يقتصر الكتاب على التنديد بالظلم الشخصي، بل يقدم نقداً أوسع للتحولات الاجتماعية في فرنسا، حيث أصبحت الهوية الوطنية والأمن قضايا رئيسية على حساب العدالة الاجتماعية.
صمود استثنائي واكتشاف المهنة الحقيقية
رغم المحن، وجد الكاتب دافعاً قوياً في أسرته، خاصة مع ولادة ابنته. هذا الحدث الجديد أعاد إشعال رغبته في الكفاح من أجل مستقبل أفضل. وبعد العديد من العقبات، نجح في دخول مجال التعليم، حيث اكتشف شغفه الحقيقي كمدرس للرياضيات.
يصف الكاتب هذه المهنة بأنها "أجمل مهنة في العالم"، ويعتبرها وسيلة لنقل قيم الصمود والإلهام للأجيال القادمة.
أسلوب مؤثر وتأمل عميق
وصف أسلوب الزبير الملطي بأنه رائع من قِبل أمينة أزماني، الأستاذة الجامعية التي قامت بتحليل العمل. وأشارت إلى غنى أسلوبه وقدرته على نقل القارئ إلى عوالمه العاطفية، وتحدياته وانتصاراته.
يتجاوز الكتاب مجرد السيرة الذاتية ليطرح أسئلة أساسية:
- كيف يمكن التغلب على الحواجز غير المرئية للتمييز؟
- ما هو الدور الذي تلعبه الأحكام المسبقة في المسارات المهنية والاجتماعية؟
- والأهم من ذلك، كيف يمكن الحفاظ على الأمل والإصرار في مواجهة نظام يبدو غير عادل؟
شهادة إنسانية عالمية
لا يستهدف هذا الكتاب فقط من يشاركون الكاتب في نضالاته، بل كل من يؤمن بعالم أكثر عدلاً. فهو يذكرنا بأن الاندماج والمساواة ليستا أموراً مسلّماً بها، بل معارك يجب خوضها يومياً.
مع « مسار محارب، مثل الأب مثل الإبن »، يقدم الزبير الملطي عملاً يجمع بين الشخصي والعالمي، ويقدم نظرة صادقة ومؤثرة على واقع غالباً ما يتم تجاهله. هذا الكتاب دعوة للتأمل، للغضب، ولكن قبل كل شيء، للعمل من أجل مستقبل تكون فيه الكفاءات أهم من الأحكام المسبقة.