
في احتفالية مفعمة بالرمزية والعمق الإنساني، شارك العشرات من الطلبة الأفارقة المقيمين بالمغرب، إلى جانب آلاف المواطنين المغاربة، في احتفالات الذكرى السادسة والعشرين لتربع جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده على عرش أسلافه المنعمين، من خلال عدد من التظاهرات الثقافية والفنية والعلمية التي نظمت في كل من أكادير وجرف الحمام بإقليم تارودانت.
هذه الأنشطة لم تكن مجرد فصول احتفالية عابرة، بل تحولت إلى مشاهد نابضة تعكس عمق السياسة الإفريقية للمغرب، وتترجم قيم التضامن والانفتاح والاندماج التي رسّخها جلالة الملك منذ اعتلائه العرش.
المهرجان الإفريقي بأكادير: عندما تكتب الثقافة ما تعجز عنه السياسة
في مدينة أكادير، وبدعم من كونفدرالية الطلبة الأفارقة بالمغرب، احتضنت المدينة فعاليات النسخة الخامسة من المهرجان الإفريقي للفنون الشعبية، والدورة الأولى من "أمسية التميز" التي كرّمت نخبة من الطلبة الأفارقة المتخرجين من معاهد وجامعات المدينة.
وتحوّل هذا الحدث، المنظم تزامنًا مع عيد العرش، إلى منصة ثقافية وإنسانية كبرى، حيث اختلطت نغمات الفلكلور الإفريقي بإيقاعات التراث الأمازيغي، في مشهد يجسّد وحدة القارة وتنوعها في آنٍ واحد.
لم يكن الطلبة الأفارقة مجرد "ضيوف شرف"، بل كانوا في قلب الاحتفال، بأزيائهم التقليدية وأناشيدهم الوطنية وشهاداتهم المؤثرة التي حملت أسمى عبارات الشكر والعرفان للمغرب وملكه، الذي وفّر لهم بيئة تعليمية واجتماعية تُحترم فيها الكرامة الإنسانية وتُصان فيها الحقوق.
وكما قال أحد الطلبة المتخرجين: "هنا في المغرب، لم نجد فقط جامعات، بل وجدنا عائلة، وهوية جديدة تُضاف إلى هويتنا الإفريقية."
أكادير تحتفي بالعيد والاندماج: الفن في خدمة الدبلوماسية الشعبية
المهرجان لم يكن مجرد كرنفال، بل كان ردًّا حضاريًا على محاولات التشويه التي تستهدف العلاقة بين المغرب وعمقه الإفريقي. ففي مواجهة الدعاية السوداء، جاء الرد من الميدان: رقص جماعي، وندوات فكرية، وشهادات حيّة على نجاح تجربة المغرب في إدماج الطلبة والمهاجرين الأفارقة ضمن نسيجه المجتمعي.
وفي هذا السياق، تحوّلت "أمسية التميز" إلى تكريم للإنجاز، والجهد، والتفوق، ورسالة ضمنية تؤكد أن المغرب لا يكتفي بالاستقبال، بل يمنح الفرص ويصنع النماذج.
جرف الحمام... عندما تلتقي القبيلة بالقارة
وفي إقليم تارودانت، وتحديدًا في جرف الحمام، جماعة إسن، عاشت قبيلة آيت ياسين، ومعها وفود من أكثر من 15 دولة إفريقية، أجواءً استثنائية خلال الملتقى الدولي في نسخته الـ62، والذي نُظم تحت شعار: "على درب الأجداد سائرون، وبالبيعة متشبثون".
هذا الملتقى، الذي حمل في طياته عبق الوفاء للعرش العلوي المجيد، تميز بحضور لافت للطلبة والشباب الأفارقة الذين شاركوا في الندوات العلمية، والعروض الثقافية، وطقوس الضيافة المغربية الأصيلة.
وقد خُصصت ندوة علمية بعنوان: "التطور الاقتصادي والعلمي والثقافي في عهد جلالة الملك محمد السادس داخل المغرب وعمق إفريقيا"، عرفت مداخلات غنية من أساتذة مغاربة وأفارقة أبرزوا فيها تجربة المغرب الرائدة في القارة، مؤكدين على مركزية دور جلالة الملك في توجيه التعاون الإفريقي نحو التنمية المتكاملة والاستقرار الشامل.
وحدة وطنية في حضرة الوفاء الإفريقي
الملتقى لم يخلُ من مشاهد رمزية مؤثرة، أبرزها استقبال وفود من الأقاليم الجنوبية للمملكة، وتقديم ناقة كهدية رمزية في تعبير عن وحدة الوطن وتلاحم مكوناته. أما الفقرة الفنية فكانت موعدًا جديدًا للقاء بين الفلكلور الصحراوي والرقص الإفريقي، في انسجام تام يعكس وحدة الانتماء، رغم تنوع الأصول.
واختُتمت التظاهرة بتلاوة برقية ولاء وإخلاص مرفوعة إلى السدة العالية بالله، تأكيدًا على أن العرش المغربي ليس فقط رمزًا للدولة، بل صلة روحية وثقافية موحدة لجميع مكونات الوطن، ولكل من آمن بالمغرب شريكًا استراتيجيًا في نهضة إفريقيا.
المغرب... الحاضن والفاعل في إفريقيا
لقد كانت مشاركة الشباب الإفريقي في احتفالات عيد العرش هذه السنة أكثر من مجرد حضور رمزي، بل كانت إعلانًا ضمنيًا بأن المغرب، بقيادة جلالة الملك محمد السادس، نجح في أن يجعل من السياسة الإفريقية واقعًا معاشًا، ومن التضامن القاري خيارًا استراتيجيًا.
وبين المهرجان الإفريقي بأكادير والملتقى الدولي لقبيلة آيت ياسين بجرف الحمام، رسمت هذه التظاهرات مشهدًا موحدًا لروح الانتماء الإفريقي المشترك، ورسالة مغربية صادقة مفادها أن إفريقيا ليست فقط شريكًا في السياسة والاقتصاد، بل هي أيضًا رفيقة في الثقافة، والكرامة، والمستقبل.