Partager sur :

علم النفس السياسي وسيكولوجية الأنظمة العسكرية، الجزائر نموذجا. بقلم الحسن.أ.د

عندما أناقش مع أصدقائي من المثقفين والمهتمين بالشأن المغاربي عامة، أتوقف مليا عند الوضع في الجزائر الشقيقة والغالية، وأنا ابن المنطقة الشرقية المحاذية للحدود، و كلما فتحت نافذة غرفتي صباحا أنظر إلى القرى والمباني في الجزائر نظرا للقرب الكبير، ليس الجغرافي فقط إنما العرقي واللغوي والديني والمذهبي والثقافي والتاريخي، وكل أملي أن استطيع يوما ما تناول فنجان قهوة مع أخوتي وأصدقائي في الجزائر، بعد أن أقطع مسافة كيلومتر واحد فقط هو المسافة الحقيقية بيننا، ودون أن أضطر للذهاب بالطائرة إلى باريس أو مدريد أو تونس ثم طائرة أخرى إلى الجزائرالعاصمة أو وهران، ثم أستقل حافلة أو سيارة مسافة مئات الكيلومترات في رحلة بطوطية إلى مغنية أو بني بوسعيد التي أراها من خلال شرفة نافذتي من وجدة، وأنا أتحسر ويعتصر قلبي ألم لا أجد فيه إلا أن أقول لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، وذلك كله  في خضم وضع فرضته عصابة ( كما يسميهم الحراك) فرقت بين شعبين ما يجمعهم أكثر بكثير من ما يحاول حكام المرادية أن يرسخوه من عداوة وبغضاء مجانيين.

و في نفس الوقت أحاول أن افهم ما أسميه بالظاهرة الجزائرية من خلال أبسط أدبيات السياسة والعلاقات الدولية، فأجد أن هذه المفاهيم المعاصرة لا تعمل، وأن المبادئ التي تبنى عليها علاقات حسن الجوار بين الدول الشقيقة لا تشتغل، فكنت أقول دائما، على المختصين في حقل العلوم السياسية والعلاقات الدولية أن يؤسسوا لعلم جديد سميته (علم النفس السياسي وسيكولوجية الأنظمة العسكرية، الجزائر نموذجا)، وحدث بعد ذلك بالفعل أن صرح مسئولون في الأمن الفرنسي بعد حادثة الناشطة والمعارضة أميرة بوراوي، أنهم اليوم لا يستطيعون تفسير قرارات النظام الجزائري من خلال أبسط مبادئ السياسة بقدر ما هم بحاجة إلى علم النفس.

سألني صديق ما رأيك في فرضية الحرب التي يلوح بها عسكر الجزائر ضد المغرب، مع العلم أن مثل هذه الحروب لو قامت فالكل خاسر فيها، لأنهم حتى ولو كانوا يعلمون متى وكيف تبدأ فإنهم لا يعلمون متى وكيف تنتهي، هذا إذا افترضنا أن النظام الجزائري يملك قراراته، وأنها لا تملى عليه من طرف دول أخرى تعبث بمصالحه ومصالح المنطقة ككل، ومن وجهة نضري سيكون اكبر خاسر هو النظام الجزائري، ومصالح فرنسا الاستعمارية التي جعلت من كثير من الدول الإفريقية حديقة خلفية لها، فمثل هذه الحروب إن وقعت لا تحسمها الأسلحة الروسية أو صواريخ اسكندر، إنما يحسمها إجماع وإيمان الأمة بقضيتها العادلة ووحدة الصف الداخلي.  

قلت لصديقي اللصوص فقط يسرقون، الرجال هم من يحاربون، والرجال لا يحاربون من أجل العدوان على جار شقيق وقف معهم بالمال والدماء وقدم لهم الغالي والنفيس خلال حرب التحرير التي خاضها المجاهدون الأحرار والشرفاء، واللذين لو قاموا من قبورهم اليوم لتأسفوا على حال الجزائر الاقتصادي والاجتماعي، ولاستغربوا كيف تحول المغرب بقدرة قادر إلى عدو والمستعمر السابق إلى صديق وحليف، وما وصلت إليه العلاقات من عداوة ممنهجة ومعلنة من طرف عسكر الجزائر صرفت عليها مقدرات وخيرات وثروات الشعب الجزائري، والتي وجهت في شكل رشاوى أو جزية من أموال يضخها النظام في حسابات دول وشخصيات وهيئات، والهدف الوحيد منها هو مشاكسة المغرب وتقويض مسيرة التنمية الفعالة والمستدامة التي يقودها ملك المغرب محمد السادس نصره الله، هذه الثروات التي من المفروض أن توجه لتنمية الجزائر وحل مشاكل المواطن الجزائري ومواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي صارت تهدد استقرار الجزائر ومعها المنطقة المغاربية والشمال افريقية ككل، هذه الثروات التي صرفت من طرف النظام الجزائري على قضية واحدة فقط وهي دعم جبهة  إجرامية وانفصالية، يقدر المختصون أن حجم الأموال التي بذرت في هذا الصراع المفتعل تقدر ب 500 مليار دولار، كانت قادرة أن تنمي شمال إفريقيا كلها وليس الجزائر فقط.

 وأنا لست هنا لأدغدغ عواطف ومشاعر الناس بقدر ما أقدم  قراءة موضوعية لحقائق ومعطيات واقعية وتاريخية موثقة، ربما تحفز أشقائنا الجزائريين من المثقفين والناشطين والإعلاميين والأكاديميين المتجردين من كل  تلقين إعلامي أو أدلجة، إلى فتح ورشات وحوارات فكرية لمحاولة فهم الواقع الذي وصلت إليه العلاقات بين البلدين الشقيقين، قبل أن تصل فيه إلى نقطة اللاعودة، مع التذكير أن سياسات اليد الأخوية الممدودة من طرف المغرب حكومة وشعبا، ومن خلال الخطابات والتوجيهات الملكية السامية التي تدعو كل مرة إلى رجوع العلاقات بين الجارين الشقيقين إلى طبيعتها المبنية على الود والاحترام كبلدين عربيين ومسلمين، وعلى حماية المصالح المشتركة والنهضة بالمنطقة من خلال المشروع المغاربي الذي تم إجهاضه.

Arabe
Partager sur :