Partager sur :

ما هي الانتخابات التي نريد؟

بقلم أونبارك إبراهيم 
باحث في الفعل السياسي و قضايا التراب - أن يضع جلالة الملك موضوع الانتخابات كقضية من القضايا التي تضمنها خطاب العرش، دليل على المكانة التي تحتلها، وعلى صعيد مختلف المستويات، سواء البرلمانية أو الجهوية أو الإقليمية أو المحلية، في رسم معالم المغرب وآفاقه المستقبلية، ومن يتمعن في البناء العام لخطاب عاهل البلاد، سيدرك أن العديد من الاختلالات التي جعلت المغرب يسير بسرعتين، ستكون  راجعة في مجملها إلى جودة الانتخابات  ودرجة تأثيرها على مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، التي بدورها لا تنأى عن الحكامة الترابية، التي تُعدُّ مدخلا لتجاوز الأعطاب المانعة لتحقيق العدالة المجالية.

ولاشك أن خطاب جلالة الملك يثير سؤالا جوهريا، ما فتئت القوى الحية في البلاد، سواء من داخل الأحزاب السياسية أو خارجها تطرحه باستمرار: ما هي الانتخابات التي نريد؟ ونضيف هنا سؤالا آخر: ما هو الاستثناء في انتخابات 2026، رهاناتها؟ تحدياتها؟ آفاق المغرب من خلالها؟

تلكم الأسئلة وغيرها، هي التي ستجعل كل غيور على وطن، نرغب أن يستمر في إنجازاته ليناسب فعلا ما سماه خطاب العرش بـ "مغرب اليوم" أو المغرب المدرج كرقم صعب في معادلة الدول الصاعدة. ولتكون الانتخابات في مستوى هذا التحدي، يمكن أن ننظر إليها من زاوية الفاعلين في هذا الاستحقاق الحاسم ومسؤولية كل منهم،  وفق منطق " ما له وما عليه":

أولا: وزارة الداخلية، تعتبر هذه المؤسسة الحكومية أولى الساهرين على سلامية السير الجيد للانتخابات، ومهمتها جسيمة وحاسمة في الصد لكل التجاوزات المرتبطة بوجود أي سلوك يتنافى والترسانة القانونية المنظمة لهذه الانتخابات، بل مطلوب منها اليوم وبتنسيق مع مختلف الفاعلين، إعادة هيكلة التشريعات المنظمة لهذه العملية، مع الاستعداد التام لتطبيق القانون في لجم كل ما قد بشوب الفعل الانتخابي، وبلا تردد. وسمعة هذه المؤسسة وحنكتها ومصداقيتها وكفاءات رجالها ونسائها اليوم، تؤهلها لا محالة لتحقيق هذا الحلم الذي راودنا لعقود خلت.

ثانيا: الأحزاب السياسية، مسؤولية المؤسسات السياسية بهياكلها ومكاتبها ومجالسها واضحة فيما آل إليه الوضع، وفيما كنا نشاهده من خروقات إبان الاستحقاقات الماضية، لكون العديد منها، تعمل بغرض نيل الأصوات، وهذا من حقها طبعا، لكن " الجشع الانتخابي" أفرز تصرفات وسلوكات، كلفتنا الكثير على مستوى سمعة الأحزاب السياسية( والتعميم هنا لا فائدة منه)، ودفعنا ثمنا في العزوف عن التصويت الذي طال الممارسة الانتخابية منذ عقود. واليوم، حان الآوان، أن تتحمل الأحزاب السياسية مسؤوليتها، أكثر من أي وقت مضى، سواء في اختيار وتزكية المنتخبين المؤهلين للوجود داخل المؤسسات التشريعية والتنفيذية، من حيث الكفاءة والنزاهة والصدق ونظافة اليد، وسلامة المسار العلمي والتاريخي والمهني والتدبيري لمن يمثل هذا الحزب أو ذاك. و أن تكف المؤسسات الحزبية عن منح مصداقية تاريخها ونضالاتها المتراكمة إلى من ينتعشون في اصطياد الريع الانتخابي وتبييض الأموال وتسويق الفساد السياسي والاقتصادي.

ثالثا: المواطنون، لم تعد "أسطوانة " النظرة السلبية إلى الأحزاب السياسية، وإلى الجزء الفارغ من كأس الإنجازات مبررا للانزواء والنقد الهدَّام يجدي، حان الآوان، أولا للانخراط والمشاركة والتصويت من طرف كافة المواطنين والمواطنات، الذين يخوِّل لهم القانون ذلك، وأن يختاروا من يمثلهم بعناية، بعيدا عن المعايير التقليدية التي تقبع في مستوى الانتماء العائلي، أو أعيان القبيلة أو حتى من يتقن شراء الذمم والأصوات قُبَيل الانتخابات، لأن كل سوء في الاختيار سيجعل مصير الانتخابات مكلفا، ليس في نجاحنا فقط، بل في  الإساءة إلى ما حققناه في مناخ دولي وإقليمي حساس أيضا، لذا، فالمرحلة لا تقبل الكثير من الأخطاء، لاسيما تلك التي لنا  القدرة على عدم ارتكابها بمحض إرادتنا.

رابعا، المؤسسات الدستورية، يَحمل دستور المملكة المغربية، وخطب جلالة الملك روحا مفعمة " بربط المسؤولية بالمحاسبة"، وتكثيف البعد الرقابي الذي يتقوى بالمواكبة، وتصحيح التجاوزات، عبر تقارير تُصدر من مؤسسات لا تنقصها الميزانية ولا اللوجيستيك ولا القوانين التي تمنح لها حق ممارسة امتيازها الدستوري في تقديم مقترحات فعَّالة، سواء في إماطة اللثام عن الأوضاع الفعلية في مختلف القطاعات، بصدق وشفافية، بدأ بالاشتغال على القوانين المنظمة للانتخابات: شروط الانتخاب، إجراءات التفعيل، إجراءات الزجر، وغيرها من المداخل الكبرى التي كان لعدم البث فيها سببا في ظهور اختلالات، أجلت مسيرة  بلوغ انتخابات تشريعية وفق ما نصبوا إليها في العقود السابقة. لذا، لا مفر من تقوية هذه المؤسسات لهياكلها الداخلية، وذلك عبر اختيار خبراء وباحثين ومحللين قادرين على قراءة الأوضاع الوطنية والدولية، من أجل وضع الصورة الفعلية لمختلف المجالات الحيوية  على صعيد كافة التراب الوطني، بلا ميز أو حيف أو نقص معرفي أو علمي يمتلك النظرة الشمولية لمكامن القوة والضعف.

ودون هؤلاء، مع الحفاظ على تنسيق تام بين مختلف المؤسسات المنظمة لمسار تفعيل الانتخابات، قد لا نستطيع أن نجعل المغرب يحافظ على هذا المسار الذي ينم عن الكثير مما حققناه جميعا، وعبر تحمل المسؤولية وجعل الانتخابات المقبلة  مصيرية فعلا، ودون الغلو في خطابات همها الحديث عمن سينجح في تدبير الحكومة المقبلة، دون هذه القدرة على تحمل المسؤولية والحفاظ على التنسيق بين الفاعلين الترابيين على صعيد كل المستويات والأطراف، قد نعيد إنتاج الخطاب ذاته والاختلالات نفسها في زمن لم يعد يقبل بذلك.

 

Arabe
Partager sur :