Partager sur :

قراءة في أبعاد جريمة مقتل الشرطي المغربي بقلم الحسن.أ.د

تمكن المغرب عبر مختلف أجهزته الأمنية من تفكيك ما يفوق 200 خلية إرهابية منذ بدأ اعتماده المقاربة الأمنية في مواجهة التطرف الإسلاموي، وأفضل هذا التعبير على مصطلح الإسلامي لأن الإسلام الحنيف بريء من ممارسات هذه الجماعات، هذه الخلايا النائمة أو الذئاب المنفردة كما يصطلح على تسميتهم أمنيا كانت قادرة أن تكون جيشا كاملا يهدد الأمن في المغرب والمنطقة، لولا يقظة الأجهزة الأمنية والضربات الإستباقية التي أجهضت المخططات الرامية لزعزعة الاستقرار، والتي تقوم بها بمساهمة فعالة من المواطن المغربي الذي يتميز بالحس الأمني ورفضه لكل أشكال العنف والتطرف الديني، لأن المغرب منذ دخول الإسلام لأرضه، كان ولا يزال يتبنى مذهبا و فكرا وسطيا معتدلا مع صبغة صوفية روحانية تدفعه للتعايش مع كل الطوائف والأديان، وأكبر مثال على ذالك هو المكون اليهودي الذي عاش في المغرب قرونا دون اضطهاد أو محاكم تفتيش، وهو ما جعل اليهود المغاربة مرتبطين بوطنهم الأم وبجذورهم وثقافتهم وهويتهم المغربية في كل أنحاء العالم.

هناك أسئلة كثيرة  تطرح نفسها بإلحاح والتي يجب أن نجد لها إجابات بتجرد ودون عاطفية زائدة أهمها، ما هي أصول ومنابع التطرف و ما هي أنجع مقاربة لمحاربته، وهل تكفي السياسات الأمنية المتبعة فقط، ألسنا بحاجة لتجفيف المنابع و المستنقعات التي يرتع فيها هذا الفكر، أليست الحالة الاجتماعية والاقتصادية والنفسية لفئات كثيرة من المجتمع المغربي تشكل بيئة خصبة للانتشار وتساعد هذه الجماعات في الاستقطاب والترويج لهذه الإيديولوجيات الإرهابية، ألسنا اليوم  بحاجة ملحة لمحاولة أصلاح الخطاب الديني والمنظومة الدينية الموروثة من فقه وتشريع وأحكام ومحاولة ملائمتها مع متغيرات العصر والواقع دون المساس بثوابت الدين، ما هو دور المنظومة التعليمية والإعلامية والدينية في صناعة وعي ديني متجدد يتعايش مع القيم والمبادئ الإنسانية الحداثية في ضوء انخراط المغرب  في تيار العولمة ..... الخ

في فتوى على موقع إسلام ويب وهو موقع إسلامي دعوي قطري تم تدشينه منذ عام 1998م، يمثل مختلف الآراء الفقهية لأهل السنة والجماعة بمختلف مذاهبه، وأن كان الغالب عليه هي أراء المذهب الحنبلي الذي يمثل التيار السلفي على اعتبار أن قطر خضعت للمد الوهابي، ويضم الموقع مليوني صفحة إلكترونية، كما أنه يحتوي على 250,000 فتوى، و 200,000 استشارة،  و 203,352  ملف صوتي، ويبلغ عدد زائريه عشرات الملايين من الزوار كل سنة، وبذلك يعتبر أكثر موقع على الشبكة تأثيرا في العالم الإسلامي والعربي، والذي من المفترض أن يكون معتدلا وسطيا تماشيا مع سياسات دولة قطر، تقدم فيه أحد المتابعين بالسؤال التالي:( أنا أعمل في شركة تخيط الملابس، هذه المرة سنخيط ملابس الشرطة وأنا أقدم عامل بهذه الشركة وأكثرهم خبرة، فلا أستطيع التخلف، فهل يجوز خياطة ثياب الشرطة مع العلم أن الدولة علمانية تحكم بغير ما أنزل الله و طبعا شرطتها تبع لها ؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا؟)  

  كان الجواب على شكل فتوى تحمل الرقم 115436 تحت عنوان: (حكم القيام بخياطة ملابس الشرطة)، هذه الفتوى وأن حاول صاحبها أن لا يعلن بشكل صريح عن تكفير أعوان الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله، لاكن يبقى جليا لأي متخصص أن يستنتج أن المراد من الفتوى من خلال الإحالات على أقوال ابن تيمية الذي يعتبر شيخ التكفير والمؤسس الفعلي للفكر السلفي المتطرف، حيث قال  ابن تيمية في الفتاوى الكبرى:  (ولا يحل للرجل أن يكون عونا على ظلم)، ثم استشهد بقصة لابن حنبل يرويها أبو بكر المروزي أنه لَّما سجن أحمد بن حنبل جاء السجان فقال له: يا أبا عبد الله الحديث الذي روي في الظلمة وأعوانهم صحيح؟ قال الإمام أحمد:  نعم قال السَّجَّان : فأنا من أعوان الظلمة؟ قال الإمام أحمد فأعوان الظلمة من يأخذ شعرك ويغسل ثوبك ويصلح طعامك ويبيع ويشتري منك، فأما أنت فمن الظلمة أنفسهم، كما يروى نفس القول عن أئمة من أهل السنة والجماعة، مثلا أنه جاء خياطٌ إلى سفيان الثوري فقال: إني رجل أخيط ثياب السلطان (وكان السلطان ظالما)، هل أنا من أعوان الظلمة ؟ فقال سفيان: بل أنت من الظلمة أنفسهم، ولكن أعوان الظلمة من يبيع منك الإبرة والخيوط ، وقد سأل احدهم الحسن البصري فقال: كنت أخيط أثواب الحجاج، هل أنا من أعوان الظلمة؟  فقال الحسن البصري: بل أنت الحجاج.

 

 وقد ذكرت هذه الروايات والقصص لأثبت أن الموروث والمدونة الفقهية وأن اختلفت مذاهبه وفرقه ومنظروه إلا انه تبقى بينها تقاطعات ومشتركات في أبواب فقهية وعقدية كثيرة، كجهاد الطلب وحكم ملك اليمين والأسرى والغنائم وأحكام قتال الحاكم و أعوان الحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله، وأن الأصل في المسلم أن لا يحكم ولا يتحاكم إلا إلى ما أنزل الله تعالى، وحكم تولي القضاء في ظل الأنظمة الوضعية والجبرية، وقتال العدو القريب المتمثل بالنظم السياسية العربية والإسلامية التي تنعتها هذه الجماعات بالمرتدة، بدل مقاتلة العدو البعيد المتمثل بالغرب عموماً والولايات المتحدة الأميركية خصوصا،لأن الواجب شرعا قتال المرتد قبل قتال العدو الصائل ..... الخ

 

إن الجماعات والطوائف والأحزاب والفرق في كل العالم العربي و الإسلامي  التي تدعي أن مرجعيتها دينية إسلامية، والتي تجعل من السياسية حقلا لممارسة أنشطتها ومن السلطة بكل مستوياتها هدفا لها، ومن المجتمع والفضاء العام مجالا لدعايتها وانتشارها، فهي تشكل خطرا وجوديا وتهديدا للدولة القطرية وللأنظمة الوطنية مهما حاولت هذه الجماعات إدعاء العكس ومهادنة السلطات، فهي مجرد تقية مرحلية في انتظار التمكين والوصول للحاكمية، لأنها تعتبر الديمقراطية وسيلة للوصول للسلطة فقط وليس أداة للحكم، على اعتبار أنها قيم بدعية لا تمت لروح الإسلام و الشريعة بأي صلة، ولنا تجارب معاصرة يمكن الاستدلال بها كتجربة الأخوان في مصر وتجربة الجبهة الإسلامية للإنقاذ وهو حزب سياسي إسلامي جزائري، أنشئ أوائل 1989 وخاض الانتخابات البلدية 1990 والتشريعية نهاية 1991 واكتسح نتائج شوطها الأول، فأوقف الجيش العملية الديمقراطية مطلع 1992، مما أدى إلى اندلاع عنف عارم في البلاد دام أكثر من عشر سنوات، وكان قد أعلن بعض زعمائه آنذاك بعد فوزهم في المرحلة الأولي أن هذه آخر انتخابات تجرى في الجزائر لأنهم سوف يحكمون بالشريعة بعد استلامهم السلطة.

يبقى المشروع السياسي الإسلاموي قائما على مفاهيم وتصورات من وجهة نظر الكثير من المتخصصين تتعارض بشكل واضح مع قيم ومبادئ الديمقراطية والحداثة والعصر، وليس مع قيم الإسلام الحنيف الذي يدعو للعدل القسطاس والمساواة والتسامح، وليس رفض المجتمعات العربية خصوصا التي شهدت تجارب حكم إسلاموية مثل مصر والمغرب وتونس، إلا دليل قاطع على صحة هذا الطرح، وعلى بداية وعي جمعي لا يقبل المتاجرة بالمقدس.

Arabe
Partager sur :